لم تعد الرياضة ممارسة ألعاب أو مسابقات رياضية محددة، سواء كان ذلك على المستوى الجماعي أو الفردي، وسواء كان على المستوى الرسمي كالمنافسة في المسابقات الرياضية أو من باب الهواية والترويح عن النفس، بل أصبحت علماً وفناً قائماً بذاته، تفرعت منه العديد من التخصصات ليس في المجال العملي فقط بل تجاوزت ذلك إلى المجال الأكاديمي، ومن الممارسة الظاهرة إلى الدراسات المتعمقة في ذات الإنسان وتكوينه، وكأنما يتأملون قوله تعالى (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). وألقت ثورة التقنية والاتصال وتدفق المعلومات في مختلف مجالات المعرفة بظلالها على هذا المجال محدثة ثورة كبرى في مختلف جوانبه، وازداد الاهتمام بتطبيقاتها العلمية، ما أدى إلى تحسين الأداء وتطوير مستوى الإنجاز الرياضي. عندما كنا تلاميذ في المرحلة الابتدائية قالوا لنا: (العقل السليم في الجسم السليم)، وكانوا يختارونها موضوعاً للتعبير ومن عناصره الربط بين الرياضة وصحة البدن والعقل ومع تحفظي على دقة العبارة إلا أنها كانت دليلًا على ذلك لكن في إطار محدد وضيق، ومع الزمن وتطور الفكر بدأنا إدراك أن العلاقة بين الرياضة والصحة علاقة طردية. هذه العلاقة كانت في إطار نظري ومع الثورة التقنية والمعلوماتية التي أشرت لها أصبحت حقيقة ثابتة تجاوزت تنامي وعي المجتمع بأهمية ممارسة الرياضة البدنية للجسم إلى إجراء البحوث والدراسات العلمية المتخصصة حول الجسم البشري والنشاط البدني وعلاقة الرياضة بذلك مما يدخل في مفهوم "علوم الرياضة"، ما يعني أن العمل في الرياضة لم يعد محدوداً، وأن مخرجات كلياتها يشير إلى مستقبل زاهر للوظائف المهنية في هذه العلوم. من هذا المنطلق وانسجاماً مع توجهات وزارة الرياضة في تعزيز مبادئ وقيم الرياضة في المجتمع وإسهاماً منها في رفع نمو القطاع الرياضي في الناتج المحلي تحقيقاً لرؤية 2030 نظمت جامعة جدة مؤتمرها الدولي الأول في علوم الرياضة بهدف توسيع قاعدة الحراك العلمي والابتكاري في تنمية القطاع الرياضي لتشمل الباحثين والمهتمين وتشجيع الإبداع والابتكار في مجالات البحث العلمي في هذا العلم ليكون منصة علمية متميزة لبحث ومناقشة واقع هذا المجال في ضوء المستجدات العالمية المعاصرة، حيث استضاف العديد من أبرز الخبرات الأكاديمية والمتخصصين في علوم الرياضة من جامعات المملكة وجامعات عربية عريقة وأخرى عالمية ناقشوا على مدى يومين عدداً من الموضوعات والمستجدات في علوم الرياضة من أبرزها: الرياضة النسائية، والرياضة الصحية وجودة الحياة، والذكاء الاصطناعي وتأثيره على صناعة الرياضة، وتقنية الاستشفاء والتأهيل للرياضيين، والحوكمة في المجال الرياضي، والإعلام الرياضي إلى جانب عدد من ورش العمل، مقدمين خبراتهم وتجاربهم في هذا المجال. كان المؤتمر فرصة لإعداد وتهيئة طلبة وطالبات كلية علوم الرياضة بالجامعة للمستقبل، حيث أتيح لهم حضور جلساته والمناقشة والمشاركة في التنظيم وورش العمل، وأثبتت هذه الجامعة الفتية كأحدث الجامعات السعودية قدرتها وأهلية منسوبيها في تنظيم مثل هذه المؤتمرات وإدارتها بكل كفاءة واقتدار، ولعل التوصية من قبل المشاركين الذين أثنوا على المؤتمر تنظيماً ومحتوى وتعدد المشاركات وتنوعها بأن يعقد سنوياً، ووضعها في مقدمة التوصيات دليل على نجاحه وتحقيق الهدف منه، وعلى قدرة الجامعة وتميزها في تنظيم واستضافة مثل هذه اللقاءات، ويفتح لها الآفاق للتقدم للصفوف الأولى على المستويين العربي والعالمي. تحية وتقدير لمعالي مدير الجامعة أ. د. عدنان الحميدان، ووكلائها، ورئيس اللجنة العلمية في المؤتمر أ. د. علي الجفري، وتقدير خاص لكلية علوم الرياضة عمادة وطلاباً وطالبات على هذه الجهود، وكل من شارك في المؤتمر وأسهم في نجاحه. والله من وراء القصد. *كاتب وإعلامي