يعد نظام الشركات الجديد الذي أصدره مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين خطوة مهمة وجديدة تضاف لسلسلة الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة من عام 2016، بهدف تعزيز بيئة الأعمال بإعادة صياغة كافة المسائل التنظيمية والتشريعية لمؤسسات وشركات القطاع الخاص أحد أضلاع مثلث التنمية الاقتصادية، بما يساير التغيرات الكبيرة محليًا وإقليميًا وعالميًا، ويضفي المزيد من المرونة والسهولة على مزاولة الأعمال، ما يصب أولًا وأخيرًا في تنمية الاقتصاد الوطني. إن صدور هذا النظام يؤكد ما تتمتع به المملكة العربية السعودية من نظام اقتصادي مرن ومحكم يراعي مصالح جميع أطراف العملية الاقتصادية، ويصب في تعزيز دور القطاع الخاص، ويدعم ويجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، فهو يقدم وثيقة تشريعية واحدة تنظم الأحكام المتعلقة بالشركات التجارية، وغير الربحية، والمهنية. والأهم هو أن نظام الشركات الجديد روعي في وضعه الاستفادة من كافة الخبرات والتجارب العالمية، والأخذ بأفضلها لينسجم مع الممارسات العالمية للتغلب على التحديات التي تواجه المستثمرين والتي قد تحدّ من تطور ونمو قطاع الأعمال، ويرفع من مستوى مرونة التأسيس ويحفظ الحقوق ويحد من المنازعات ويضمن المعاملة العادلة بين كافة الأطراف. ووفق ما أعلن فإن نظام الشركات الجديد في السعودية يضفي المزيد من المرونة وحرية مزاولة وممارسة الأعمال التجارية خلال مراحل عمل الشركات و إزالة القيود التي قد تكون عائقا أمام المستثمر بدءا من عملية تأسيس الشركات الجديدة، وأثناء ممارسة العمل وعند التخارج، إلى جانب خطوات اختيار اسم الشركة وعند طرحها للتداول في سوق المال، ومن الجديد أيضا السماح للشركاء أو المساهمين بتقديم حصص أو أسهم في الشركة إلى شخص ما مقابل قيامه بعمل أو خدمة تعود بالنفع على الشركة، إضافة إلى توزيع أرباح بشكل مرحلية أو سنوية على الشركاء والمساهمين، والسماح بتقسيم الأسهم أو تجزئتها إلى أسهم ذات قيمة إسمية أقل، أو دمجها لتمثل أسهما ذات قيمة إسمية أعلى. ولعل أهم ما في النظام الجديد هو إسهامه في تعزيز مجتمع ريادة الأعمال والمنشآت المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر من خلال إتاحة الفرصة لرواد الأعمال لتأسيس شركاتهم الناشئة بيسر وسهولة وبساطة من خلال استحداث شكل جديد تحت مسمى "شركات المساهمة المبسّطة" لخدمة رواد الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهو نوع من الشركات الملائمة لرواد الأعمال، ومعمول به في كثير من الدول بل بات من أحدث الشركات انتشارا على مستوى العالم، كما منح للشركات متناهية الصغر والصغيرة مرونة أكبر من خلال الإعفاء من متطلب تعيين مراجع حسابات مع بيان الضوابط والأحكام ذات الصلة. ولم يغفل نظام الشركات الجديد الشركات العائلية باعتبارها الأكثر انتشارًا في المملكة ومنطقة الخليج، بمنحها مزايا تستهدف تعزيز نجاح هذه الشركات؛ حيث سمح بإبرام ميثاق عائلي لتنظيم الملكية العائلية في الشركة وحوكمتها وإدارتها وسياسة العمل وسياسة توظيف أفراد العائلة وتوزيع الأرباح والتصرف في الحصص أو الأسهم، إضافة إلى وضع آلية لتسوية المنازعات أو الخلافات التي قد تطرأ بما يضمن استدامة الشركة. كما اهتم نظام الشركات الجديد بالشركات غير الربحية، بما يساعد هذه الشركات في النجاح وتحقيق استدامتها. وفي إطار التحول الرقمي وتطوير قطاع الأعمال لإضفاء مزيد من السرعة والسهولة في الأداء وحصول المستثمر على الخدمات المختلفة، أتاح نظام الشركات الجديد خدمات تقديم طلبات التأسيس وحضور الجمعيات والتصويت على القرارات إلكترونيا. كما أتاح نظام الشركات الجديد أحكام التحول والاندماج بين الشركات، وأتاح إمكانية تقسيم الشركة إلى شركتين أو أكثر، مع الأخذ بوسائل متطورة لحل المنازعات والخلافات أثناء اللجوء إلى التحكيم أو الوسائل البديلة للتسوية، وتم تطوير أحكام تصفية الشركات وتسهيل إجراءاتها بما يتناسب مع أحكام منظومة الإفلاس في السعودية. لقد سعدت الأوساط الاقتصادية باستقبال هذا النظام الجديد الذي من المتوقع أن يحدث حراكًا كبيرًا ويسهم في تنشيط الكثير من القطاعات والأسواق، ومن المنتظر أن نرى تزايد عدد الشركات الناشئة، وجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية. *الرئيس التنفيذي للمالية - السعودي الفرنسي للتمويل