يتطلب الأمر قدراً كبيراً من الشجاعة قبل الصراحة لتجيب عن هذه السؤال! الذي ما إن تجيب عليه بتجرد حتى لا يمسي تخطيط مستقبلك أسهل فقط، بل وتتخلص من ضغوطك النفسية. في البدايات لم أكن أدرك أهمية السؤال ومدى تأثيره على صحتي النفسية قبل الجسدية، بل تأثيره على احترامي لنفسي وتقديري لذاتي، وكذلك لتأطير نظرتي للحياة وعلاقاتي مع دوائر العائلة والأصحاب. قبل نحو عشرين عاماً وفي أول يوم دراسي لي في الدبلوم العالي لإدارة الأعمال، كنت متحمساً للتسلح بالمهارات الإدارية والمالية خصوصاً بعد مرور عام كامل في الوظيفة بعد الجامعة، كنت أعتقد أن ردمي للفجوات الإدارية سوف يدفعني للنجاح في عملي وبالتالي التقدم الوظيفي، ولكن هل هذا ما كنت أتمناه حقاً؟ هل كنت أعرف بوضوح شديد مساري القادم أم أنني أحاول تقليد من أعتقد أنهم ناجحين؟! كان يفترض أن تتمحور أول محاضرة عن توزيع مواد الفصلين الدراسيين وفرق العمل والتكليفات البحثية، لكن الإجابات المبتورة عن أسباب انضمامنا نحن الدراسين حوّل النقاش إلى السؤال المحوري: من أنت؟ وماذا تريد؟ والذي بقدر ما تبدو سهولة طرحه تبدو صعوبة الإجابة الحقيقة عنه. للأسف الغالب الأعم لا يعرف "من هو"؟ ولم يسبق له التفكير بهذه الطريقة المتجردة، لأنه يتقدم في عمره ضمن مسيرة تلقائية سلفاً كما الآلاف من حوله، لم يتوقف يوماً ليسأل عمّا يريده فعله حقاً؟ كنا مجموعة مكونة من ثلاثين شاباً من مختلف التخصصات ومن فئات عمرية، كنا شبه متفقين على أننا لا نعرف ماذا نريد حقاً! نريد فقط أن ننجح في أعمالنا الحالية، ولا بأس بشيء من الثروة! مع تشعب النقاش تجرأ البعض بالبوح بما في قلبه من آمال وأحلام، والتي كثير منها –في الحقيقة كلها!- لا يتقاطع عما يفعله اليوم، أو حتى ما يرغب فعله بعد الحصول على شهادة الدبلوم! والأسوأ من ذلك أن البقية الغالبة كانت لا تعرف بالضبط ما تريد، وهي معضلة منتشرة في الأممالشرقية، وغالباً ما يكون السبب الحقيقي لأزمة منتصف العمر، أو الحسرة والألم بعد التقاعد. أتذكر بوضوح أن من أجاب عن الأسئلة بوضوح هم من استطاعوا خلال سنوات معدودة تحقيق أهدافهم، أحدهم كان لا يزال في بداية نشاطه التجاري واليوم يملك إحدى أهم العلامات التجارية للمكسرات والقهوة، وصديقنا الآخر اليوم يرأس تنفيذياً إحدى أكبر الشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودي. قد يكون هذا السؤال أكثر موضوع كتبت عنه هنا في عمودي في صحيفة "الرياض" أو سابقاً بصحيفة "الوطن"، وذلك لأنني مؤمن أن هذا السؤال المحوري هو الأهم في حياتنا، وأن تجاهله أو تجاوزه يؤدي إلى صرف الوقت والجهد والعواطف في ما لا نرغبه حقيقة، وهنا الكارثة التي نستطيع تجنبها فقط بالإجابة عن السؤال بصدق، ثم العمل على تحقيق تلك الإجابة.