تواجه قطاعات النقل المختلفة (الجوية البرية والبحرية) تحديات كبيرة وتهديدات نتيجة الأزمات الاقتصادية والوبائية والأمنية التي يشهدها عالمنا اليوم وتداعياتها السلبية على هذه القطاعات. حيث بدأ العاملون في السكك الحديدية في بريطانيا إضراباً عاماً، شارك فيه أكثر من 50 ألفاً من موظفي السكك الحديدية، ما شل حركة القطارات في بريطانيا، وكانت مطالبهم بزيادة مرتباتهم وحماية وظائفهم وتحسين ظروف عملهم. وأوضحت النقابة الوطنية لعمال السكك الحديدية والبحرية والنقل أن نضالها ليس لأجل رفع الأجور فحسب، بل لحماية الآلاف من خسارة وظائفهم، حيث إن الشركات تسعى حالياً إلى التحول التقني وإلى الأتمتة في عملياتها التشغيلية، وهذا الأمر سيؤدي إلى تقليص عدد العاملين في القطاع، وفقدان الآلاف من فرص العمل في المستقبل. فيما كان الموقف الرسمي للحكومة البريطانية معارضاً لهم ومؤيداً وداعماً للشركات، حيث صرح وزير النقل (غرانت شابس) بقوله: إن الإضراب "عديم الفائدة، وسيتعين علينا إجراء هذه الإصلاحات مهما حدث". ولن يقتصر الأمر على قطاع السكك الحديدية فقد نرى قريباً اضرابات واحتجاجات أخرى في قطاع سيارات الأجرة، هذا القطاع المهم الذي يخلق أكثر من 25 مليون فرصة عمل حول العالم، والذي يواجه حالياً تحدياً كبيراً تقوده الثورة الصناعية الرابعة وتقنيات المركبات ذاتية القيادة، ففي الصين بدأت شركة إنترنت الصينية الرائدة في سيارات الأجرة دون سائق في إطلاق السيارات الجديدة "Apollo Go"، وبدأت في نقل الركاب بتكلفة تقدر بنحو 4.60 دولارات فقط لكل رحلة، ووفقاً لما ذكرته صحيفة "ديلي ميل" البريطانية. وفي دول أخرى انتشر استخدام المركبات ذاتية القيادة وبشكل واسع في البيئات الصناعية، مثل: المناجم والمستودعات والمواني، مع توقعات بقرب استخدامها في خدمات توصيل الطلبات والسلع ومواد التموين. وكذلك الحال في قطاع النقل الجوي، والذي يعتبر أكثر القطاعات تعقيداً، والذي مع بداية هذا الصيف شهد مشكلات تشغيلية في عدد من المطارات حول العالم نتج عنها تأخير وإلغاء العديد من الرحلات، بسبب تسريح الشركات لأعداد كبيرة من طواقم الطيران والخدمات المساندة، وهذه نتيجة طبيعية لإغلاقات الجائحة التي أدت إلى توقف عمليات التشغيل. ولكنها حالياً تواجه مشكلة استكمال النقص وإيجاد الكفاءات المهنية المؤهلة التي يمكن إدخالها في عمليات التشغيل. وتسعى الشركات جاهدة في خلق توازن تشغيلي تصاعدي في عدد الرحلات، واستقطاب عاملين مؤهلين وتدريب وتأهيل آخرين لتلافي تعطيل حركة الرحلات الجوية وخدماتها، وكذلك تحقيق شيء من الربحية لتعويض بعض خسائرها السابقة. هذه التحديات دفعت شركات الطيران بالعمل على إيجاد حلول اقتصادية تساهم في خفض المصاريف التشغيلية التي أرهقت الشركات وتلافي الخسائر التي تهدد مستقبلها. ومن هذه الحلول مواجهة ارتفاع أسعار الوقود والحصول على طاقة بتكلفة أقل، حيث بدأت شركة بوينغ باستثمار 450 مليون دولار في Wisk Aero، وهي شركة تبني طائرة ركاب كهربائية بالكامل وذاتية القيادة، وكانت شركة إيرباص قد بدأت أيضاً في تطوير مساعيها في مجال الطيران الكهربائي منذ العام 2010، لتقليل سعر الطاقة وتقليل نسبة التلوث والانبعاثات الغازية الناتجة عن الوقود، وأعلنت الشركة بأنها تخطط لإطلاق أول طائرة ذاتية القيادة، وأنها تمضي قدماً في نسخة فائقة بعيدة المدى من خلال طائرتها "آيه 321 نيو" في محاولة للتفوق على منافستها الأميركية "بوينغ". ومن خلال هذا الاستعراض للأزمة الاقتصادية وتداعياتها على قطاعات النقل وما تواجهه هذه القطاعات من تحديات وتهديدات نجد أن لارتفاع كلفتها التشغيلية أثر مباشر على أسعار الخدمات المقدمة للمستفيدين والتي سوف نلاحظ ارتفاعها على المدى القريب. لذا فإنه من المتوقع أن يشهد القطاع تحولات وتغيرات جذرية في التكنولوجيا، وفي الأدوات التي سوف تعتمد عليها منتجات وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة كالروبوت وأتمتة عمليات التشغيل واستخدام الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وإنترنت الأشياء.. إلخ، للوصول إلى خدمات أكثر جودة ودقة وأقل أخطاء وأخطاراً وبتكلفة أقل. وهذا التوجه العالمي سوف نجده في جميع القطاعات، فكما ذكر للتقرير الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي والذي يتوقع بحلول عام 2025 أن تسيطر الآلات على 50 ٪ من فرص العمل حول العالم. الحقيقة.. أن هذه التقنيات والتكنولوجيا سوف تصبح في القريب العاجل واقعاً نعيشه، وسوف تتسبب برفع معدلات البطالة، وفقدان الملايين من العاملين قطاعات النقل وظائفهم، كسائقي الأجرة والشاحنات والقطارات وكذلك كباتنة الطائرات وقباطنة الغواصات والسفن. فهل يعي هؤلاء العاملون خطورة هذه التحديات والتهديدات لمستقبلهم المهني ومواردهم المالية، والمبادرة في اتخاذ قرارات وحلول استباقية كتغيير مساراتهم المهنية وتطوير مهاراتهم التقنية لمواكبة هذا التحول العالمي وما تتطلبه مهن وتخصصات المستقبل من علوم ومهارات؟ * الرئيس التنفيذي لاتحاد خبراء السياحة العرب