كشف أحدث تقارير المستجدات الاقتصادية للشرق الأوسط، الذي أعدته "أكسفورد إيكونوميكس" بتكليف من معهد المحاسبين القانونيين في إنجلترا وويلز ICAEW، عن آفاق إيجابية على مستوى المنطقة، بالرغم من المشهد العالمي المتأزم بسبب تصاعد ضغوطات الأسواق واستمرار حالة عدم اليقين، ويُقدّر الآن نمو إجمالي الناتج المحلي للشرق الأوسط في 2022 عند 5.2 %، بزيادة قدرها نقطة مئوية واحدة عن توقعات "أكسفورد إيكونوميكس" قبل ثلاثة أشهر. وبحسب تقرير الربع الثاني، يتعيّن على دول الشرق الأوسط التكيّف مع الضغوطات الناجمة عن الصراع الروسي - الأوكراني المستمر، والتباطؤ الاقتصادي في الصين، وتشديد ظروف السوق العالمية. ومع ذلك، فقد ساهمت أسعار النفط المرتفعة في دعم بيئة الاقتصاد الكلي بقوة في جميع أنحاء منطقة الخليج العربي، والتي يتم تسخيرها لتعويض تأثير ارتفاع التضخم، واضطرابات سلسلة التوريد على البلدان المستوردة للسلع الأساسية في المنطقة. ولكن قد يتأثر الطلب على النفط إذا ما حدث وانزلقت العديد من الاقتصادات الكبرى إلى حالة من الركود، وهو ما سيختبر مدى مرونة دول مجلس التعاون الخليجي للتأقلم مع المتغيرات. وأدى تضخم أسعار النفط إلى تحسن آفاق نمو إجمالي الناتج المحلي للمملكة العربية السعودية، حيث من المتوقع أن يزداد الإنتاج بنسبة 7.1 %، مقارنة بنسبة 4 % سابقاً. وهناك أيضاً تفاؤل كبير في دولة الإمارات العربية المتحدة، إذ من المرجح أن تساهم أجندات الإصلاح الحكومية وزيادة إنتاج النفط في دعم النمو بنسبة 6.7 % هذا العام. كما أن الدخل المرتفع من قطاع الهيدروكربونات سيعزز من أداء جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست لتسجّل فوائض في موازناتها العامة، على الرغم من ارتفاع النفقات. ومع ذلك، من غير المرجح أن يؤثر ذلك على خطط الإنفاق، حيث تم تخصيص معظم المكاسب غير المتوقعة لسداد الديون. ومن المفترض أن يشهد هذا انخفاضاً في نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي في جميع أنحاء المنطقة. كما يستمر النمو غير النفطي في إظهار مؤشرات قوية عبر دول مجلس التعاون الخليجي، وتبلغ توقعات معهد المحاسبين القانونيين ICAEW للنشاط غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي ما نسبته 4 % للعام 2022، مرتفعة من 3.4 % قبل ثلاثة أشهر، وأشار استبيان S&P Global الأخير لمؤشر مديري المشتريات (PMI) في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى علامات تدل على تراجع النشاط التجاري، حيث تؤثر الأوضاع العالمية الصعبة للأسواق على الثقة، لكنها لا تزال ثابتة في منطقة التوسع. وفي قطر، أدى الارتفاع في الطلب إلى دفع مؤشر مديري المشتريات إلى أعلى مستوياته في شهر مايو. وعلى الرغم من هذه المرونة الواضحة، تتحمل العديد من الشركات وطأة ارتفاع التكاليف لتخفيف الضغط على المستهلكين، والذي بدأ يؤثر على التوظيف. وقالت فانيسا هايوود، مدير معهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط: "يواجه الشرق الأوسط معضلة مثيرة للاهتمام. فقد جلبت الاضطرابات الجيوسياسية دول مجلس التعاون الخليجي إلى طاولة المفاوضات الدولية من أجل المساعدة على مواجهة تحديات إمدادات النفط العالمية. لكن زيادة إنتاج النفط يتعارض مع استراتيجية التنويع طويلة المدى في المنطقة. ومن المهم أيضاً ملاحظة أن الشرق الأوسط يقع في جزء حسّاس من الناحية البيئية من العالم، وبالتالي فهو أكثر عرضة للتغير المناخي. وفي حين أن أسعار الطاقة المتضخمة ستدعم تحولها في مجال الطاقة المتجددة، فقد أظهرت قيادات المنطقة مقاومة ملموسة لتأخير التقدم المحرز في تحول الطاقة، حتى مع تصاعد الضغوطات العالمية". من جانبه، قال سكوت ليفرمور، المستشار الاقتصادي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW وكبير الخبراء الاقتصاديين والمدير العام في أكسفورد إيكونوميكس الشرق الأوسط: "شهد اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي انتعاشاً مثيراً للإعجاب من الاضطراب الناجم عن جائحة كوفيد- 19، وبدا ثابتاً على الرغم من الأوضاع العالمية الصعبة وحالة عدم الاستقرار الطويلة للأسواق. وكان النمو في قطاع النفط محركاً رئيساً لنجاح المنطقة إلى حد كبير، على الرغم من أن المملكة العربية السعودية أبدت مؤخراً استعدادها للمساعدة في السيطرة على ارتفاع أسعار النفط - وهو مؤشر على أن المنطقة تشعر بالقلق بشأن تأثير الركود في الاقتصادات الرئيسة". وأدى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بسبب الصراع الروسي - الأوكراني، إلى دعم الموازنات المالية والخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي، ولكنه أدى لاحقاً إلى زيادة معدلات التضخم. ويتوقع معهد المحاسبين القانونيين ICAEW أن يبلغ معدل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي 3.1 % هذا العام (بنسبة تقديرية بلغت 2.7 % قبل ثلاثة أشهر)، مرتفعاً من 2.3 % في 2021، قبل أن يتراجع إلى 2.5 % في عام 2023. ونظراً لارتباط عملات دول مجلس التعاون الخليجي بالدولار الأميركي، فإن السلطات النقدية في المنطقة قد اضطرت إلى اتباع قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة في مارس ومايو. وأبدى البنك الاحتياطي الفيدرالي رغبته في ترويض التضخم المرتفع بشكل ملحوظ في الولاياتالمتحدة، مع زيادة ارتفاع أسعار الفائدة المتوقع أن يصل إلى 2.5 نقطة مئوية هذا العام. وقد يؤدي الارتفاع الناتج في تكاليف التمويل إلى إضعاف الانتعاش غير النفطي في عام 2023، لكن لا ينبغي أن يشكل خطراً مباشراً على نمو المنطقة أو التوسع المستمر.