يُعدّ فيلم «ما المرأة؟» الوثائقي أحد خطوط الدفاع الثقافية الأساسية ضد السيولة الجندرية، وفيه عمَد الإعلامي المعروف مات والش إلى تبسيط مواجهة المتحولين جنسياً وأنصارهم النظريين، وحصرها في سؤال واحد، هو: «ما المرأة»؟ وعلى مدى الفيلم الوثائقي، الذي بلغ طوله نحو ساعة ونصف الساعة، لم يستطع شتّى المناصرين للسيولة الجندرية الإجابة عن هذا السؤال، لا على المستوى الشعبي، ولا على مستوى المثقفين، ولا في أوساط الأطباء، ولا المعالجين النفسيين، حتى علماء الاجتماع منهم. وكان الاتجاه العام في الفيلم لدى هؤلاء هو: أن المرأة هي «الشخص الذي يعتقد أنه امرأة»، وجميع مَن يؤيدون هذا الاتجاه يجيبون عن السؤال بهذا المعنى بمختلف الألفاظ والعبارات، ثم عندما يشعرون بأنّ إجابتهم لا تستحق القبول يلجؤون إلى حيَل ومغالطات متنوعة، منها: أنْ يجيب أحدهم بقوله: «لستَ امرأة حتى تعرف». أو يقول: «وماذا يهمك من هذا السؤال؟» أو: «ولماذا تسأل عن ذلك؟». وأحياناً يتظاهرون بالانتقال إلى موقف الهجوم بأن يسأل أحدهم أو بعضهم مات والش هذا السؤال: «هل تعتقد أن الأعضاء التناسلية هي ما يحدّد أساس كون المرء رجلاً أو امرأة»؟ وعندما يجيبهم مات بالإيجاب يرفضون الإجابة، لأنها في نظرهم سطحية، أو غير كافية لتحديد الهوية والشخصية الجندرية للإنسان. ويلجأ هؤلاء إلى مغالطات منطقية متوارثة من السفسطات الفلسفية، والنزعة الباطنية إلى تأويل الواقع المحسوس، ومن تعميم بعض أدبيات الوجودية التي تدّعي أن الوجود يسبق الماهية، إضافة إلى ميتافيزيقيات مصوغة في هيئة تحقيقات علمية، مثل: أن الذكر قد يولد بشخصيةٍ وهوية أنثوية، والعكس تماماً مع الأنثى! ويكشف والش في الفيلم أنواعاً من الحيَل التي يمارسها بعض الأطباء والمعالجين ضدّ الأهالي البسطاء، الذين يُفاجَؤون بأن المدرسة أو وسائل الإعلام والتواصل أو السينما أو رفاق السوء، أو هؤلاء جميعاً، أقنعوا أولادهم بتغيير أجناسهم أو هوياتهم الجنسية، وبدلاً من أن يحاوِل الذين يُفترض أنهم مصلحون اجتماعيون مساعدة الأبوين على معالجة الولَد أو نُصحه، عِوَضاً من ذلك يحاولون إرعابه وإرهابه، وتهديده بأن الابن أو البنت سوف يُقدم على الانتحار إنْ لم يتصالح مع هويته الجنسية الكامنة فيه، ويبتزون والِدَي الذكر بعبارات من قبيل: «هل تفضّل ابناً منتحِراً أو ابنةً على قيد الحياة»! فإن لم يُفلِح ذلك انتهزوا مَيلَ أيّ واحد من الأبوين إلى ما يريده الولَد، ودعَموه قانونياً، وحظروا على والده الآخر التواصل معه، وأحياناً يسجنونه، على أساس أنه يمارس العنف مع ابنه؛ فلا فرق في بعض تلك القوانين بين وصف الذكر الذي يعتقد أنه أنثى بأنه «هو وليس هي» وبين إشباعه ضرباً بالسياط! ويعرض الفيلم تجربة غريبة ومقزّزة من نوعها، وهي أن بعض الكتب التعليمية المخصصة لسن العاشرة تعرض في صفحاتها الأولى رسوماً كرتونية لممارسات خادشة للحياء، على أساس أنّ ذلك جزءًا من المواد التعليمية التربوية المؤهلة لثقافة وصحّة جنسية! وعندما يسأل والش: «كيف بدأ هذا؟»، تجيبه العالِمة ميريام غروسمان بأن ذلك بدأ مع رجل يُدعى ألفريد تشارلز كينزي، الذي كان يُعرف بأنه عالِم أحياء ومتخصص في أبحاث الجنوسة، وقد انطلقت فكرته من أنه كان يريد تخليص المجتمعات الغربية من القيم التوراتية البالية، ومؤدى نظريته وأبحاثه هو أن الأطفال لهم ميول جنسيّة منذ مَولدهم، وكان يرى أن السعادة في الحياة تكمن في تحرير الرغبات الجنسية وإتاحة الفرصة لإشباعها من المهد إلى اللحد، ولاقت تلك الموجة رواجاً في منتصف القرن العشرين، ولكنّ المراجعة كشفت فيما بعد أنّ نتائج دراسات كينزي لم تكن صحيحة، بل ثبت أنه مارس الاحتيال في أبحاثه، واستند فيها على جمع البيانات من مرتكبي الجرائم الجنسية المُدانين والمتحرشين بالأطفال، الذين يمكنهم بكل سهولة أن يتذرعوا بهذه النتائج ويجعلوها دليلاً وحجّة لهم على ارتكابهم جرائمَهم؛ لأنهم بزعمهم مدفوعون إليها ومجبرون على ارتكابها! وتُحيل غروسمان بعد ذلك على شخص آخر، هو العالِم النفسي جون موني، وتصفه بأنه كان من أكبر منظّري الأيديولوجيا المروّجة لمنح النوع البشري صِبغة اجتماعية، وكان يدّعي أن الأطفال محايدون عند الولادة، وفي النهاية تفرض البيئة الاجتماعية عليهم هويّتهم الاجتماعية، وبناء على ذلك يَستنتج أن الصبي يمكن أن يُربّى على أنه فتاة، ويمكن للفتاة العكس؛ وإذا صحّ ذلك؛ فلا مانع في الوقت الحالي من أن يختار الطفل أو البالغ هويّته الجنسيّة لنفسه من باب أولى، ما دامَ المجتمع هو من كان يختارها له مِن قَبل! لكنّ تجارب موني في ستينيات القرن الماضي لم تنجح آخر الأمر، وأسفرت نتائجها بعد مُضيّ السنين إلى اضطرابات نفسية خطيرة لدى من خضَعوا لها، وأدّت إلى تدمير عائلاتهم، وأقدم بعضهم على الانتحار. جون موني ميريام غروسمان ألفريد كينزي غلاف فيلم ما المرأة؟