التشدد في ممارسة التربية له آثار سلبية لا يمكن تجاهلها، ولا شك بأن ذلك يتم بحسن نية وزيادة في الحرص، بيد أن كل شيء يزيد عن حده ينقلب ضده، بمعنى أن النتيجة لن تكون كما يتصور الأب وتتمنى الأم وفق القراءة الخاطئة وسوء التقدير، وتتخذ الرحلة التربوية أنماطاً مختلفةً طبقاً لمواكبة المدارك، وإذ يتسع الأفق شيئاً فشيئاً تبرز الصيغ المختلفة لتعليم الصغير وتأديبه وتوجيهه تبعاً للمراحل العمرية المختلفة في إطار الألفة والروابط الأسرية، وحينما يصل لمرحلة المراهقة وهي مرحلة بالغة الحساسية فإنه يتوجب تغيير النمط التربوي، أي أنه لم يعد يفكر عنه فلم يعد طفلاً لا يعي الأشياء ويدركها، وبالتالي فإن إبداء المرونة بهذا الشأن وطرق أساليب ميسرة عبر منحه هامشاً من الحرية في اختيار طريقة حياته أمر في غاية الأهمية، وفي ظل مراقبة غير مباشرة ما من شأن ذلك توثيق العلاقة لأنها ستتكئ على مبدأ الثقة هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الابن أو البنت حينما يشتد عوده فإنه يميل إلى التحرر والانعتاق من هذا الاحتواء المعنوي الرقابي من وجهة نظر الابن أو البنت، أي أن المبالغة في ممارسة الدور الرقابي تكون نتائجها عكسية لا سيما إذا كانت محسوسة من قبل الأبناء والبنات ما يوحي بشكل أو بآخر بأنهم لا يزالون صغارا، وهذا ما لا يرغبه الابن أو البنت لأنك تهمش شخصيته وتلغي اعتباره وقد يكون حافزاً له للتصرف وإتيان بعض الأمور لا لرغبة في ذلك بقدر ما تعني استقلالاً واعتدادا بالنفس بأنه يستطيع عمل كذا وكذا دون علم والديه، جدوى التأثير لا سيما فيما يتعلق بالجانب الوجداني يجب العناية به والحرص على تحقيقه وأن يخضع لمقياس القناعة والتطبيق على الوجه الأمثل، بمعزل عن المبالغة في أساليب التطبيق أو تساهل يؤدي إلى التفريط، لذا فإن الوسطية كفيلة بتحقيق التوازن الفكري والنفسي على حد سواء، وكلما كانت العلاقة واضحة وصريحة أرسى ذلك دعائم التواصل، في حين أن تقبل الأخطاء بصدر رحب يساهم في دعم أسس التربية السليمة، الكل يخطئ والعبرة في معالجة الخطأ وعدم الرجوع إليه ، فإذا كان اللوم والغضب عليه حينما يبلغك بأنه أخطأ فإنه حتماً في المرة القادمة سيخطئ بعيداً عنك، وهذا حتما لا يسرك ولا يسعدك لأنك لم تفسح له المجال وفقاً لمبدأ إتاحة الفرصة، فالمتشدد يمارس الأسلوب خوفاً على فلذة كبده والمتساهل أيضاً يمارس الأسلوب مراعاة لمشاعر ابنه، ولكن ينبغي أن تكون المعايير المنظمة للعلاقة مبنية على أسس متينة ترسخ المسلك الصحيح وبصيغة تنحو إلى الاعتدال وفق رؤية متزنة، فلا إفراط يضع الابن مقيداً ما يفضى إلى نزعته إلى التحرر بأسلوب ينافي توجه والديه، ولا تفريط ينخر في صلب الأمانة لتمسي السيئات محوراً لارتكاب المخالفات واستسهال هذا الأمر في ظل غياب دور المؤدب المؤثر، وأعني بذلك تبيان الخطأ والأهم هو تبيان لماذا كان خطأ، موضوعية التبرير تفرض الانسجام فكرا وسلوكا وسلامة الطرح تعزز قوة التوجه حينما تغذيه وفرة الإقناع لتملأ الجزء الفارغ في هذه المعادلة وتنال ثقة المتلقي في إطار أدبيات الحوار وحفظ الاعتبار، وربما يتجه إلى المخالفة ليس قناعة بها، بقدر ما يكون شعوراً بإثبات الشخصية من جهة وأنه قادر على اختراق الحواجز، غير أنه في قرارة نفسه ليس راضياً عن مخالفته، أي أن في داخله بذرة طيبة تكره الخطأ وتحتاج إلى العناية والتنمية، وحينما يحرص الإنسان على زرع نبتة معينة فإنه يحرص عليها أشد الحرص، فإن سقاها فوق ما تحتاج فإنه سيهلكها، فضلاً عن ملاحظته لها وحمايتها من عوامل كالهواء الشديد والأمطار وخلافها، من هنا فإن العناية بالبذرة الطيبة في قلب الشاب أو الفتاة والتي نمت أغصانها في بيئة صالحة يبيت أكثر إلحاحاً، فيما يسهم التضييق وتكرار النصح واللوم إلى النفور والابتعاد، فلم تكن الذائقة لمرارة المخالفة عديمة الجدوى، بقدر ما يتسلل الضعف في غفلة ليستثمره المزايدون على القيم وينثروا أوجاعهم التي تنوء بالخطايا ويسوقوها آلاماً مبرحة لا تبرح أن تستقر في الأجواف الغضة الرافضة لهذه المسالك السيئة من حيث المبدأ، لتؤخذ على حين غرة إلى متاهات السوء والرذيلة في استغلال مقيت للظروف سمته السلب لا سيما وأن سطوة المؤثرات في تزايد من حيث الكيف والكم، حيث إن المبالغة صادرت الهدف بسوء استخدام الوسيلة المؤدية إلى تحقيقه وقيل يؤتى الحذر من مأمنه، امنحوا الشباب والفتيات الثقة وستجدونهم أهلاً لها حاورهم أشعروهم بالمسؤولية الأدبية تجاه دينهم ومجتمعهم وسيمسي استشعارهم للمسؤولية نبراساً مضيئاً في جوارحهم لأن القرآن الكريم غذى مشاعرهم وطرق أحاسيسهم المتوقدة للنبل ونيله، المرونة حجر الزاوية في جميع أنواع الحوارات والمناقشات فهي السبيل لتليين المواقف المتعسرة وبالله التوفيق. حمد عبدالرحمن المانع