بعيدًا عن الخوص في تفاصيل نظام التحول الصحي، هناك حاجة لتناول رؤية الدولة واتجاهها نحو «الصحة الرقمية»، والتي تتقاطع مع الاستراتيجية العالمية بشأن الصحة الرقمية (2020-2025)، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.. من المهم تقديم قراءة أولية للمشهد الصحي السعودي، بعد الموافقة على تأسيس شركة الصحة القابضة، والموافقة على تنظيم مركز التأمين الصحي الوطني، وجوهر القرار أنه سيتعين على وزارة الصحة أن تكون الجهة المنظمة والمشرفة على المؤسسات الصحية العامة والخاصة، فيما تتولى التجمعات الصحية تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة للمستفيدين في جميع مناطق المملكة العربية السعودية وفقاً لنموذج الرعاية الصحية الحديث بمستوياتها المختلفة. تعليقات مسؤولي الصحة أكدت من أن القرار له تبعات مستقبلية كثيرة، منها: رفع فاعلية أداء المنظومة الصحية في السعودية، ووضع الأسس النظامية لتنفيذ إستراتيجية التحول لدى وزارة الصحة، والتي ستتم في مراحل متتابعة خلال السنوات المقبلة، فالتجمعات الصحية ستعمل على تنفيذ مجموعة من البرامج التحولية الرامية إلى تعزيز صحة المجتمع، والوقاية، والكشف المبكر عن الأمراض والمخاطر الصحية. تهدف الدولة من خلال التنظيم الصحي الجديد، إلى رفع مستوى الجودة والكفاءة للخدمات المقدمة للمستفيدين عبر برامج تطوير الرعاية الصحية الأولية ك»برنامج طبيب لكل أسرة»، و»برامج رعاية الأمراض المزمنة»، فضلًا عن تطوير الخدمات المتخصصة، مثل رعاية مرضى السرطان والفشل الكلوي، وتطوير خدمات الرعاية الحرجة؛ لضمان سرعة التعامل مع الجلطات القلبية والدماغية والإصابات، والتوسع في برامج الصحة الرقمية وخدمات الرعاية الطبية الافتراضية. الحيثيات الكامنة خلف هذا القرار الاستراتيجي، تعود بالدرجة الأولى إلى دعم استجابة النظام الصحي للاحتياجات الصحية للمجتمع السعودي، والسيطرة الكاملة على تكلفة الرعاية الصحية، وتعزيز التنافسية والشفافية؛ بما يضمن الاستدامة المالية، والتوزيع العادل للموارد. بعيدًا عن الخوص في تفاصيل نظام التحول الصحي، هناك حاجة لتناول رؤية الدولة واتجاهها نحو «الصحة الرقمية»، والتي تتقاطع مع الاستراتيجية العالمية بشأن الصحة الرقمية (2020-2025)، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية، وعملها الجاد في إضفاء الطابع المؤسسي على الصحة الرقمية من خلال نظامها الصحي الوطني الجديد. على الرغم من أن التحول الرقمي في مجال الرعاية الصحية سيكون له أثر مستقبلي، فإن التكنولوجيات مثل إنترنت الأشياء، والرعاية الافتراضية، والرصد عن بُعد، والذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات الضخمة، وسلسلة السجلات المغلقة «Blockchain بلوك تشين»، والملبوسات الذكية، والمنصات، والأدوات التي تمكن من تخزين البيانات عن بُعد، وتبادل المعلومات ذات الصلة، فإنها جميعاً قادرة على تحسين الحصيلة الصحية من خلال الارتقاء بالتشخيص الطبي، وقرارات العلاج المستندة إلى البيانات والعلاجات الرقمية والاختبارات السريرية والإدارة الذاتية والرعاية التي تركز على الشخص، فضلًا عن تزويد المهنيين بالمعرفة المستندة إلى البيانات والمهارات والكفاءة من أجل دعم الرعاية الصحية. باختصار، لم تعد الصحة الرقمية بالنسبة للحكومة السعودية مجرد اختيار عابر قائم على رفاهية الوقت، بل هو ضرورة استراتيجية -بالنسبة لها- وهي المستقبل الذي رسمت معالمه بشكل منهجي، بحيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ من أولوياتها، وهو جوهر رئيس يقوم عليه التحول الصحي الجديد.. دمتم بخير.