يمكن تعريف الدخل الحقيقي أو الأجر الحقيقي على أنَّه مقدار الأموال التي يجنيها الفرد أو الأسرة بعد حساب التضخم، وتكمن أهمية الدخل الحقيقي أنه يمثل القوة الشرائية للفرد مقابل الأموال التي يحصل عليها لتحقيق متطلباته، وعليه يعتبر الدخل الحقيقي من أهم المعايير التي يستند عليها لمعرفة حصول الفرد على احتياجاته الأساسية ومن ثم البحث عن الرفاهية. كما أنَّ الارتفاع في هذا المعيار هو دليل على تناغم السياسات العامة للدولة وتوازنها ما بين النمو وكبح جماح الأسعار. لقد حققت رؤية المملكة 2030 العديد من النجاحات منذ انطلاقها عام 2016 على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ مما كان له آثار إيجابية مباشرة على مستوى جودة الحياة للمواطنين والمقيمين على حد السواء وقد انعكس ذلك على تقدم المملكة وتحقيقها قفزات متسارعة في العديد من المؤشرات العالمية مثل مؤشرات ريادة الأعمال، الابتكار، والتنافسية، البنية التحتية الرقمية وغيرها من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية. رغم جميع النجاحات والقفزات الكبيرة التي تحققت منذ انطلاق رؤية المملكة 2030 إلا أنه من المهم التركيز على الآثار لهذه النجاحات على الفرد والمجتمع، وهنا قد يكون من المهم التركيز على التغييرات التي صاحبت مستوى الدخل الحقيقي للفرد والأسرة خلال الخمسة أعوام الماضية؛ نظراً للأهمية الاقتصادية لهذا المتغير خصوصاً أنه يعكس إلى حد ما مستوى المنفعة الحقيقية التي يحصل عليها الفرد نتيجة الأعمال التي يقوم بها. من الملاحظ أنَّه ومنذ انطلاق الرؤية قد صاحبها الكثير من التغييرات في السياسات العامة سواء كانت المالية أو سياسات سوق العمل؛ وهو ما كان لها أثر مباشر على الدخل الحقيقي للفرد والأسرة كضريبة القيمة المضافة أو أثر غير مباشر مثل: بعض الرسوم والمخالفات على القطاع الخاص، والتي في النهاية كان لها أثر على دخل الفرد سواء بارتفاع الأسعار أو إغلاق بعض المنشآت الصغيرة والمتوسطة الحجم التي لم تستطع التكيف مع هذه الرسوم؛ فاضطرت للخروج من السوق، وهو ما أدى لفقدان العديد من الوظائف على المدى القصير والمتوسط. قد يكون تحليل مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الذي تصدره الهيئة العامة للإحصاء خلال فترة الخمس سنوات الماضية مؤشر جيد لقياس جزء من الانخفاض الحقيقي لدخل الفرد، ومن المهم قياس المؤشر خلال فترة زمنية كافية لإعطاء الصورة بشكل أشمل وعدم الاكتفاء بقياس معدل التضخم بشكل شهري أو سنوي لأنها تختزل العديد من التذبذب في الأسعار. وبالنسبة لمعدل الأسعار في المستقبل؛ فمعظم المؤشرات والمعطيات تشير إلى توقع مزيداً من الارتفاع في الأسعار خصوصا أنَّ الكثير من الاقتصادات ما زالت تعاني من تداعيات ما بعد جائحة كورونا، بالإضافة إلى تحديات تأثر سلاسل الإمداد والتوريد العالمية بعد الجائحة بشكل عام، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على العديد من أسعار السلع والخدمات؛ مما سيؤثر بشكل سلبي على الدخل الحقيقي للفرد والأسرة خصوصاً في ظل تأخر ال FED والعديد من البنوك المركزية في كبح جماح الارتفاع في الأسعار؛ مما يزيد من مخاطرها في المستقبل. في ظل الناجحات الكبيرة التي حققتها الرؤية وبرامجها التنفيذية خلال الفترة الماضية، قد يكون الآن هو الوقت المناسب لمراجعة العديد من السياسات العامة التي تم تطبيقها في الأعوام الماضية، والتي أثرت على دخل الفرد الحقيقي وتحقيق المواءمة بين هذه السياسات للتقليل من أثرها المباشر على مستوى الدخل الحقيقي للفرد، وربما قد تكون الفرصة جيدة أيضاً لتكامل هذه السياسات لمواجهة تحديات ارتفاع الأسعار المستقبلية والتي تعاني منها العديد من الدول، حيث لن تكون المملكة بعيدة عن هذا التأثير الذي سيؤثر بشكل مباشر على اقتصادنا الوطني. خبير اقتصادي