تشكل منطقة مناجم الذهب في الجزء التشادي من صحراء تيبستي الشاسعة على الحدود الليبية، التي شهدت اشتباكات تسببت مؤخرا في مقتل مئة شخص من الباحثين بشكل غير قانوني عن هذا المعدن الثمين، قطاعا يغيب عنه القانون و"لا يمكن السيطرة عليه" بالنسبة لنجامينا. شجعت سهولة اختراق الحدود مع ليبيا التي يعد جنوبها أيضا قاعدة خلفية لعدد من المجموعات التشادية المتمردة المعادية للنظام منذ عقود، على انتشار الأسلحة النارية التي يستخدمها المنقبون عن الذهب القادمون من جميع أنحاء البلاد، وكذلك من السودان وليبيا وموريتانيا والموجودون بالآلاف في منطقة كوري بوغودي أي "الكثبان الرملية القديمة" بلغة التبو. واحتاج رتل كامل من الجيش على رأسه وزير الدفاع لأيام عدة للوصول إلى هذه التلال الغنية بالمناجم غير الشرعية بأنفاقها الهشة والتي تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن العاصمة شمالا، وإحلال السلام فيها. وفي اتصال هاتفي أجرته وكالة فرانس برس عبر الأقمار الصناعية في هذه المنطقة التي لا تغطيها أي شبكة اتصالات، أكد وزير الدفاع الجنرال داود يايا إبراهيم الاثنين أن الاشتباكات ناجمة "عن شجار عادي بين شخصين تفاقم". واعترف وزير الاتصالات التشادي عبدالرحمن كلام الله في مقابلة مع فرانس برس بأن "تيبستي مثل الغرب الأميركي .. منطقة فوضى.. اندفاع نحو الذهب كما هو الحال في الأفلام وهذا يؤدي إلى استخدام أسلحة حربية". وأضاف أن "الجيش موجود فيها بشكل محدود إن لم يكن غائبا"، بينما تؤكد المعارضة والمتمردون أن الجيش ترك المنقبين في مناجم الذهب يقتلون بعضهم البعض، وفي أسوأ الأحوال شارك في المذبحة. ولا يمكن التحقق من هذه المعلومات من مصدر مستقل، وتروي مصادر زارت كوري بوغودي أن عددا قليلا فقط من المنقبين الأثرياء يمكنهم شراء هاتف يعمل بالأقمار الصناعية، وبينما تلقى مولدات الكهرباء أو الألواح الشمسية رواجا لتزويدهم بالكهرباء في هذه البلدة التي تتألف من مساكن موقتة منذ أن أصبح كثر يترددون على المنطقة من أجل الذهب. ويمنع الجيش بالتأكيد دخول الصحافيين والفضوليين إليها.وقال جيروم توبيانا الباحث الفرنسي المتخصص بملف تشاد ومجموعاتها المتمردة إن "مناجم الذهب على الحدود وليبيا لا دولة فيها، وهذا الغياب صارخ بشكل خاص في الجنوب بينما تظل الدولة التشادية غائبة إلى حد كبير عن شمال البلاد". ويشكل المناخ الجاف والحار خلال النهار بيئة شاقة. وتمتد الكثبان الرملية التي تجتاحها الرياح على مد البصر بينما يعيش المنقبون في ملاجئ مؤقتة ويشكل الحصول على مياه الشرب تحديا كبيرا لهم. ويوضح كلام الله أن "أقرب نقطة مياه تقع على بعد مئتي كيلومتر والذين ينقلون إليهم المياه ويديرون عملية النقل هذه يأتون من ليبيا". متمردة وتيبستي تاريخيا منطقة متمردة وكانت مهد عدد من حركات التمرد الكبرى منذ استقلال تشاد عن فرنسا في 1960. منذ اكتشاف الذهب فيها في 2012، أثارت مناجم هذه المنطقة اهتمام التجار وآلاف المنقبين والجنود التشاديين ومجموعات مسلحة تشادية وسودانية بحثا عن المعدن النفيس لتمويل تسلحها خصوصا. كما أدت إلى تدفق شبان تشاديين فقراء يعملون مع العصابات التي ينشطون لحسابها في ظروف صعبة جدا حسب جيروم توبيانا. يضاف إلى كل ذلك وجود عدد كبير من المجموعات المسلحة التي تسمم السلطة التي احتفظ بها لمدة 30 عاما بلا منازع الرئيس الراحل إدريس ديبي إيتنو الذي قُتل في إبريل 2021 على الجبهة ضد المتمردين، وخلفه ابنه الجنرال محمد ادريس ديبي.وقال توبيانا إن "المجموعات المتمردة الرئيسة مثل جبهة التناوب والوفاق في تشاد أو اتحاد قوى المقاومة موجودة بدرجات متفاوتة". وأضاف أن "هناك متمردين سابقين وحاليين أيضا من دارفور" المنطقة الواقعة في السودان المجاور. وللبحث بعمق عن الذهب، يستخدم عمال المناجم "آلات شبه صناعية تضر بالبيئة" على حد قول إبراهيم إدجي الباحث والكاتب من المنطقة. وصرح لفرانس برس أن "القطاع غير منظم من قبل الإدارات المعنية". وقال الوزير يايا إبراهيم لفرانس برس بعد الاشتباكات "قررنا وقف كل عمليات التنقيب عن الذهب في كوري حتى إشعار آخر لأن أقل من 2 بالمئة منها فقط قانوني".