لما بعث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالدين الإسلامي ودخل العرب في دين الله جماعات وفرادى، دخل الإسلام التجار والبحارة العرب الذين كانوا يترددون إلى المناطق الساحلية للهند قبل ظهور الإسلام، ونتيجة لاعتناقهم هذا الدين الجديد، فقد تغير مجرى حياتهم واصطبغوا بصبغة الإسلام، وحملوا معهم الدين الجديد إلى الهند. وكان العرب يتحدثون في حماس ديني وإيمان قوي عن دينهم الجديد وعن الرسول المبعوث في بلادهم، وكانوا يدعون الناس إلى التوحيد والأخوة والمساواة والمعاملة الحسنة بين الناس لكي يخرجوا الناس من ظلمات الدنيا إلى نور الإسلام، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فما كان للهنود بدٌ إلا أن يتأثروا بهؤلاء التجار العرب المسلمين، لأن الهند كانت تتنفس في احتضار لما تعانيه من التفرقة ونظام الطبقات وعدم المساواة بين الإنسان وأخيه الإنسان. كانت الهند تئن من التفرقة ونظام الطبقات القاسي الذي تقوم عليه ديانتهم، فكان حديث التوحيد والمساواة نغمة جديدة يحلو لهم أن يسمعوها وأن يقارنوا بينها وبين ما هم فيه من أوضار التفرقة وأثقالها. إن أول بقعة من أرض الهند استضاءت بنور الإسلام هي منطقة مالابار، وقد ذكر المؤرخون أن هناك قصة رائعة لدخول الإسلام إلى هذه المنطقة، حيث وصلها وفد من المسلمين القاصدين لزيارة قدم آدم عليه السلام في سيلان في سري لنكا -حالياً-، وصل هذا الوفد إلى ساحل من سواحل مالابار وقصدوا الاستراحة، فنزلوا في حديقة وقاموا بأداء الصلاة حسب تعاليم الدين الإسلامي الجديد، وجاء أهل القرية وشاهدوا شيئاً جديداً عن عبادة لم يعرفوها من قبل، ووصل الخبر إلى الملك وهو شيرامان بيروميل، فطلبهم وسألهم عن الأخبار، فأخبروه عن الرسول المبعوث، حتى جاء الذكر عن معجزة انشقاق القمر، فتحير الملك وأعجب بهم كثيراً، لأنه شاهد انشقاق القمر بعينيه وكان يستفسر عن ذلك ممن يلتقي بهم من التجار الأجانب. فأمر الملك أن يمكثوا في تلك الحديقة التي كان يملكها بعد رجوعهم من زيارة قدم آدم عليه السلام، والتمس منهم أن يفعلوا كما كانوا يفعلون عند أداء صلواتهم. رجع الوفد من سري لنكا بعد زيارة قدم آدم، فاستضافهم هذا الملك وأعرب عن رغبته في زيارة الرسول المبعوث، وركب مع الوفد في ظلمة الليل متخفياً عن أهله، وسار الركب متوجهاً إلى الرسول المبعوث، حتى وصل إلى "شحر" فمرض الملك هناك مرضاً شديداً، ولم يبق له أمل في الحياة، فطلب منهم ورقة ليكتب وصية لأهله، والتمس أن يرسلوا هذه الرسالة إلى أهله إذا مات، فكتب باللغة المالابارية رسالة إلى أهله ثم مات. نعم، لقد مات هذا الملك الهندي في حب الرسول المبعوث. وصل بعض من أصحاب الوفد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحكوا له قصة الملك الهندي وقدموا له الرسالة، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم له بالمغفرة، وأرسل مالك بن دينار ومن معه إلى الهند ليقدموا الرسالة إلى أهله. نزل الصحابي مالك بن دينار إلى الهند وقدم الرسالة إلى أهلها، وعندما قرأ أهله الرسالة وجدوا فيها وصية لمنح تلك الحديقة للمسلمين والالتماس منهم أن يقيموا أركان الصلاة، قام مالك بن دينار بتأسيس مسجد على أساس الإيمان والتقوى في هذه الحديقة وهو "مسجد شيرامان جمعة". إن المسلمين العرب بادئ ذي بدء استقروا في ساحل ملابار، واستوطن العرب في الهند، وتزوجوا من الهنديات، ونالوا الاحترام والتقدير من الشعب الهندي الملاباري، فأول من آمن بالله ورسوله من أرض الهند، التي وجد منها الرسول الكريم ريحاً بارداً، هو الملك الملاباري الهندي شيرامان بيرومل الذي غير اسمه إلى تاج الدين. * الأستاذ المساعد في قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية، كولكاتا - الهند