عندما تخالف شخصاً في فكرة معينة أيًا كانت يجب أن تجعل الحق نصب عينيك؛ فالحق ضالة المؤمن أينما وجده أخذه. المؤسف أن بعض النقاشات الفكرية؛ بل حتى أحياناً العلمية الواضحة يحصل فيها نوع من الخصومة، كل يريد الحق معه دون تحرير وإنصاف وعدل، تتحول إلى حوارات شخصية تنتهي بما حذّر منه صلى الله عليه وسلم من صفات المنافقين "وإذا خاصم فجر". الحق أحق أن يتبع والواجب المتعين على أطراف الحوار أن يكون الحوار نبيلاً، كل ينشد الحكمة والفائدة والحق ولو كان من غيره، صاحب الحق تجده هادئاً في حواراته ومناقشاته يدرك أنه وسط بين طرفين "وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" أمة العدل والخير؛ فيجعل الحوار اجتماعاً لا افتراقاً ومحبة لا بغضاً؛ يدرك جيداً أن مهمته أن يجذب المحاور للخير سواء كان مفْرِطاً أو مفَرّطاً، غالياً أو جافياً؛ ليقودهم للوسط الخيار العدل في فكرته أو سلوكه أو عبادته أو معاملته. جملة من الحوارات تتحول إلى تشنج وغضب فيغيب الهدف ويضيع الحق بين مفردات الحوار أو إن صحت العبارة -الخصومة- ولو تأملوا قوله عليه الصلاة والسلام "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً"رواه أبو داود بإسناد صحيح، هذا الفضل يجعلك تدرك أن للحوار مع المخالف حداً ينبغي التزامه وعدم تجاوزه؛ فيخرج عن الفائدة إلى الإثم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس حواراً ولينا وحجة؛ ولهذا أسر قلوب الناس وأبهرهم وبغير هذا لا تكون الدعوة "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ". يجب أن تكون حواراتنا مفيدة ومثمرة يكتنفها النصح وإرادة الخير للغير، ليس معركة المنتصر هو الرابح! بل هي لقاء حَسن ووجه طلْق وابتسامة تجعل من الآخر أسيراً لحروفك وكلماتك محباً لطرحك مستمتعاً بأسلوبك ولو لم يقتنع بفكرتك؛ فيكفي أن تخرج وقد جعلت انطباعاً طيباً وخلقاً حسناً لا يغيب عن من تحاوره فيذكرك بأحسن سيرة "وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ" قالها إبراهيم عليه السلام بدعوة أن يجعل الله له ذكراً جميلاً يُذكر به وخيراً يُقتدى به؛ فليت حواراتنا ومناقشاتنا تلتزم هذه الآداب وتتطهر من الفجور في الخصومة، والانتصار للنفس وإلحاق الضرر بالغير، رويداً رويداً فإن "أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلى اللهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ" كما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه. فكرتك ستصل بإذن الله إذا تحليت بأدبيات الحوار وسلمّت قلبك من الأغلال، وتأمل قول الإمام الشافعي رحمه الله (ما ناظرت أحداً إلا رجوت أن يظهر الله الحق على لسانه) يا الله يا لطهارة تلك النفوس وسلامتها وزكائها. اللهم سلّم قلوبنا وجوارحنا وأحرفنا من الزلل والفجور، واجعلنا من أهل البر والعدل وإرادة الخير للغير، واجمع قلوب المسلمين على المحبة والخير والتآلف والتناصح والتراضي إنك سميع مجيب.