نبتسم أحيانًا حتى حين لا نرغب بذلك، ندعي ما ليس فينا ولا ننتمي إليه لنجتاز موقفًا هو في جملته مشهدًا تمثيليًا تفرضه الحياة ويوافق الناس على أنه ضرورة، وأبسط مثال المقابلة الوظيفية، فمن المتوقع أن تكون في أفضل حال وأن تدعي أحيانًا ما ليس فيك، كأن تقول أنك تحب العمل الجماعي بينما طبيعتك تميل إلى الانطواء، وأن تدعي أنك أكثر مما أنت عليه فعلًا كإنسان له مميزاته وعيوبه، وبالتحديد في مواقف المقابلة الوظيفية، حيث ستجد مئة رد مقترح للتنصل من الرد عن السؤال ما سلبيات شخصيتك؟ رغم أن من يجري المقابلة يعرف أن الكمال ليس أسوأ عيوبك، لكنه يتوقع إجابة مماثلة لتنتهي هذه المسرحية القصيرة التي يتوقع فيها أن تكون شخصًا مثاليًا إلى حد كبير. وكل لقب تحرزه يفرض عليك تصوراً لقناع لابد أن ترتديه، فالممثل الكوميدي يتصور منه أن يرتدي وجهه الضاحك طوال الوقت، وفي تلك المجتمعات البعيدة التي تعتقد أن صاحب المنصب الرفيع لم يعد بشرًا لن يُغفر له إن خلع قناع الوقار واستمتع بوقته ببساطة، وهنا يظهر قناع آخر قد يولد من نقص دفين، أو متطلبات مجتمع يرى في الكبر ثقة وفي الغرور مكانة، وحينها لن يغفر الناس للإنسان البسيط الذي لا تغير الحياة سجيته النقية هذه البساطة، أو كما قال أحمد زكي في أحد المشاهد من فيلم هيستيريا «إحنا عايشين في مجتمع ضاغط، اللي يتصرف فيه بإنسانية وتلقائية وبساطة يفتكروه مجنون!» وتخلصك من الأقنعة يشكل خطرًا على استمراريتك في المجتمع البشري الذي يرسم وجهه كل صباح ليتعامل مع الأدوار المختلفة التي اختارها أو يجد نفسه مرغمًا عليها، وقد لا يكون المطلوب هو التخلص من الأقنعة، فذلك طلب غير واقعي، وما من حياة تخلو من الأقنعة، وإنما لابد من الوعي بأن القناع وضع مؤقت تحت إدارتنا ولأهداف محددة وحميدة لتسير الحياة بنا إلى الأمام دون عقبات لا داعي لها، وألا نخطئ في لحظة فنخلط القناع بوجوهنا الحقيقة ومشاعرنا الأصيلة ورغباتنا التي تمثل حقيقتنا فنفقد ذواتنا، ونصنع وجها يلائم الحياة ومتطلباتها ونحن نموت تحته يومًا بعد يوم، أو نضحي بحقيقتنا في سبيل ما هو متوقع ومفروض. تحت القناع اليومي الذي يظهر ويختفي ويتلون بحسب الموقف، لابد من وجه حقيقي واضح الملامح يشبهك بأكبر قدر ممكن، خلفه أهداف وتطلعات ومشاعر تتطابق مع باطنك وحقيقتك الفريدة، لا مع واقع الحياة المتلونة التي لها ألف شكل، هذا الوجه الحقيقي الذي يضع قناعًا في المسافة بينه وبين توقعات الواقع منه، لابد أن يتذكر أن القناع مجرد قناع، وأنه يملك هذا القناع، وليس واقعُا تحت سطوته.