وهب الله الإنسان قدرات عديدة، وإمكانات كبيرة، تجعل منه مخلوقاً قادراً على إحداث التغيرات في هذا الكون، واكتشاف المزيد من العلوم والمعلومات، فالعلم سلاح الإنسان للتطور والإنتاجية وعمارة الأرض. يقول جاسيك ييركا: "وراء كل كومة من الكتب طوفان من المعرفة"، فأهم ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات هو نقله لمعرفته وخبراته عبر الأجيال، وتعدّ الكتابة أهم طرق نقل المعرفة. فكل إنسان مطالب بالتعلم حتى يلحق بركب العلوم المختلفة، لا أعني أن يكون كل إنسان عالم ذرة مثلاً، بل أن يكون في مرحلة تعلم مستمرة في حياته، فالقراءة هي غذاء العقل، وكلما قرأ الإنسان وتعلم أصبح أكثر نضجاً وقوة وفهماً لحياته مما ينعكس إيجاباً على قراره وأفكاره. القراءة كانت ولا تزال من أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته ومخترعاته، وهي الصفة التي تميز الشعوب المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة. إن للقراءة منافع كثيرة، لعل من أهمها أنها تساعد الإنسان على فهم الواقع والتخطيط للمستقبل، فالإنسان الذي اكتفى فقط بالتعليم الإلزامي دون أي حراك ثقافي آخر سيظل حبيساً لمعلوماته القديمة، مما يوسع الهوة بينه وبين القارئين من جميع النواحي. ولبيان أهمية القراءة فإن أول كلمة خاطب بها جبريل عليه السلام سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم هي كلمة:(اقرأ)، وهذا له دلالة كبيرة وعميقة على اكتشاف أهمية القراءة للعلم والمعرفة. ومن محاسن القراءة خصوصاً في عصرنا الحديث أنها دخلت في أنشطة الحياة اليومية لكل إنسان، فالقراءة هي السبيل الوحيد للإبداع وتكوين المبدعين والمخترعين والأدباء والمفكرين، والأمم القارئة هي الأمم القائدة، والذين يقرؤون هم الأحرار؛ لأن القراءة والمعرفة تطرد الجهل والخرافة والتخلف. ففي دراسات أجريت مؤخراً أظهرت أن نحو 70 % من المعلومات التي يتعلمها الإنسان ترد إليه عن طريق القراءة، أما الباقي فيتعلمها بالبحث والسؤال والتأمل والاستماع والربط والاستنتاج واستنباط المعرفة والتجربة وغير ذلك من المواقف الحياتية المختلفة. فكل إنسان يريد التغيير المحكم والحياة الإيجابية يجب عليه أن يقرأ أكثر فأكثر، فالقراءة بحر بلا شاطئ، وعلم بلا حدود، لذا اجعل من القراءة عادة يومية لك، اجعل من الكتاب صديقاً لك، ومن المعلومة نجمة تضيء في سماء فكرك، لا تكن منغلقاً في حدود ما عرفته من قبل أو ما درسته، فالحياة تتغير والمعلومات تتجدد، فكن أنت متجدداً معها، متطوراً في سياقها، عالماً بأبعادها، كي تكون في النهاية إنساناً إيجابياً منتجاً في حياتك، وكما قيل في المثل "القراءة غذاء العقل والروح". كما توصلت دراسة أخرى إلى أن قراءة الكتب من شأنها أن تطيل من عمر الإنسان بنحو سنتين، وكلما زادت القراءة زاد عمر الإنسان، فقراءة الكتب من الأمور المهمة والتي تترك أثرها الكبير على صحة الإنسان، ووفقاً للدراسة التي نشرت في المجلة العلمية Social Science & Medicine. وللكشف عن هذه الآثار الإيجابية لقراءة الكتب، قام الباحثون باستهداف 3,635 رجلاً وامرأة فوق الخمسين من عمرهم، حيث تم تتبعهم بمعدل 12 عاماً. وطلب من جميع المشتركين تسجيل عدد الكتب التي يقرؤونها في بداية التجربة، بهدف تقييم قدرتهم على البقاء على قيد الحياة خلال فترة الدراسة. ولاحظ الباحثون أن المشتركين الذين قرؤوا الكتب لفترة ثلاثة ساعات ونصف أسبوعياً انخفض خطر وفاتهم خلال ال12 سنة اللاحقة بنحو 17 %، في حين أن الذين قرؤوا أكثر من هذه المدة انخفض خطر وفاتهم بنحو 23 %، وذلك مقارنة مع أولئك الذين لم يقوموا بقراءة أي من الكتب. القراءة ليست مجرد عادة، بل هي دليل وعي ذاتي، وفهم وإدارك ينقل الإنسان إلى مداءات كبيرة، تختصر عليه السنوات وتزيد لديه الخبرات، لتجعله إنساناً ذا شأن وقيمة في مجتمعه وعالمه. سليمان الباهلي