اتسم قطاع السلع بهدوءٍ نسبي بعد أسبوع تاريخي شهد تغيراتٍ غير مسبوقة بالنسبة للعديد من السلع الرئيسية، وبعد أن هدأت هذه التغيرات تترقب الأسواق التأثيرات التي قد تحملها المرحلة المقبلة من الحرب في أوكرانيا، حيث تعرّض بعض المتداولين والأسواق لخسائر وأضرار لحقت بهم، وتأثرت سوق المعادن في لندن بشكلٍ خاصّ، حيث لا يزال تداول النيكل متوقفاً عقب القفزة الهائلة التي سجلها بنسبة 250 %، ما شكّل خطراً حقيقياً على العديد من المتداولين. وقال أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك، "وارتفعت أسعار السلع، مع بعض الاستثناءات، منذ إعلان الرئيس بوتين عن بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، ما أحدث تغييراً كبيراً في السوق بدأ بشحّ العرض إلى تراجعه بشكلٍ مثيرٍ للقلق، ونتيجة لأهمية الدور الذي تلعبه روسيا كثاني أكبر موردي للمواد الخام في الاقتصاد العالمي، تؤدي إجراءات عزل روسيا المستمرة والعقوبات التي يفرضها المجتمع الدولي عليها إلى إحداث تغييراتٍ مقلقة، بسبب التخلّي عن خط إمدادٍ أساسي لقطاعات الطاقة والمعادن والمحاصيل. وأحدثت هذه التطورات تقلباتٍ وقفزات قياسية في الأسعار ونطاقاتها، قبل أن يتجه قطاع السلع إلى تسجيل أول تراجع أسبوعي له منذ ديسمبر الماضي". تغيرات هي الأضخم وتشهد أسواق السلع العالمية تغيرات هي الأضخم والأكثر حدة ربما منذ حظر النفط في عام 1973، ما يفاقم من النقص المستمرّ في الإمدادات التي لا تقتصر على قطاع الطاقة كما في السابق، بل تشمل قطاع المعادن الصناعية وبعض السلع الزراعية، وهكذا نجد في كل تصحيح قصير الأمد فرصة لدخول السوق، ونظراً لتقلبات أسعار السلع الفردية الشديدة، واستمرت التقلبات الشديدة في سوق الغاز الأوروبية، التي أثرت على مستويات الطلب والأسعار. ووصلت عقود الغاز الآجلة في المركز الهولندي تي تي إف، الذي يعتبر المعيار الأوروبي، إلى مستوى قياسي عند 345 يورو لكل ميجاوات ساعي، ما يعادل 630 دولار أمريكي لكل برميل نفط خام، لكنها تراجعت في نهاية الأسبوع بنسبة 35 % تقريباً بعدما شهدت تداولات بنطاق كبير بلغ 232 يورو. وذلك بعد أن توقفت روسيا بشكلٍ مفاجئ عن الحد من المبيعات في قطاعي الطاقة والمواد الخام، ما سمح لأوروبا بتأمين إمدادات كافية من الغاز خلال فترة الانتقال إلى الربيع وانخفاض الاستهلاك. وتعرض النيكل، المستخدم في تصنيع الفولاذ المقاوم للصدأ وبطاريات السيارات الكهربائية، لأشدّ التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا. وتجاوز سعر المعدن، يوم الثلاثاء في بورصة لندن للمعادن، حاجز 100 ألف دولار للطن لفترة وجيزة، في قفزة بنسبة 250 %، ليصل إلى خمسة أضعاف سعر التداول خلال العام الماضي. وشهد النيكل هذا الارتفاع بسبب انتشار تكهنات في السوق حول معاناة أحد أصحاب مراكز البيع على المكشوف الرئيسية في الحد من الصفقات وتأمين التمويل اللازم لاستيفاء المتطلبات الهامشية، ويجب على المتداولين في أسواق العقود الآجلة إيداع مال نقدي، يُعرف بالهامش، لدى الوسطاء بشكل منتظم، لتغطية الخسارات المحتملة في مراكزهم، ويحتفظ الوسطاء بدورهم بالهامش لدى مركز مقاصة. وإذا تكبدت تداولاتهم خسائر في السوق، فإنهم يتلقون إشعاراً يطالبهم بتوفير المزيد من التمويل، وفي حال العجز عن السداد، يمكن أن يضطروا إلى إغلاق عمليات البيع. وواجهت بورصة لندن للمعادن، المملوكة لبورصة هونغ كونغ، موقفاً كهذا يوم الثلاثاء، عندما اتضح بأن الشركة الصينية الضخمة لتصنيع النيكل تسينجشان، التي يملكها شيانج جوانجدا، كانت عرضة لخسارة محتملة تُقدر بثمانية مليارات دولار أمريكي في مركزها للبيع على المكشوف بقيمة 150 ألف طن، لتعلق بورصة لندن للمعادن السوق وتلغي جميع التداولات التي جرت خلال اليوم وتعيد تحديد السعر حسب اليوم السابق عند 48 ألف دولار للطن. واستطاعت تسينجشان تأمين التمويل اللازم لتغطية الهامش، لكن السيد جوانجدا ليس مستعداً بعد لإغلاق عمليات البيع على المكشوف، الأمر الذي يثير توقعات بحدوث ارتفاعات كبيرة عند إعادة افتتاح التداول الأسبوع المقبل بقيمة أقل ب40 %، في ظل التقلبات التي شهدتها بورصة شنغهاي للعقود الآجلة منذ ذلك الحين. وحافظ الذهب على مستويات تداول ثابتة تقريباً خلال الأسبوع، بعد اقترابه من أعلى مستوياته في عام 2020 عند 2074 دولاراً أمريكياً للأونصة، قبل التوجه نحو جني الأرباح، مع تحسن في الإقبال على المخاطر في مختلف الأسواق، وارتفاع في العائدات قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الأسبوع المقبل. فيما وصلت الفضة إلى أعلى مستوياتها منذ شهر يونيو، لكنها واجهت مقاومة عند 26.90 دولاراً أمريكياً للأونصة، ما يعادل 61.8 % من عمليات تصفية عام 2021. وسرعان ما ظهرت عمليات جني الأرباح بين بعض المعادن الصناعية، كالنحاس تحديداً، الذي توجه إلى مرحلة البيع بعد تحقيق ارتفاع قياسي جديد تجاوز 5 دولارات أمريكي للرطل، وساهم هذا الارتداد في تحقيق الفضة لأداء سيئ نسبياً بالمقارنة مع الذهب. وإلى جانب المخاطر الجيوسياسية، التي يصعب تحديدها، والتي يعيشها السوق حالياً، وعلى الرغم من صحة توقعاتنا، فإننا نحافظ على توقعاتنا الإيجابية باستمرار التضخم بينما قد تكافح البنوك المركزية للحدّ من الخسائر وسط المخاطر المرتبطة بتباطؤ اقتصادي وشيك. كما نعتقد أن الأزمة الروسية-الأوكرانية ستواصل دعمها لاحتمالات ارتفاع أسعار المعادن الثمينة، ليس بسبب العرض المحتمل قصير الأجل للملاذ الآمن الذي سيشهد تقلبات واضحة فحسب، وإنما بسبب تأثيرات هذه الأزمة على التضخم (ارتفاعاً) والنمو (انخفاضاً) مع التوقعات برفع أسعار الفائدة للبنوك المركزية (أقل). كما شهدت عقود القمح الآجلة المتداولة في باريس وشيكاغو ارتفاعات قياسية يوم الثلاثاء الماضي، قبل أن تنعكس وتتراجع بعد أن عززت وزارة الزراعة الأمريكية المخزونات العالمية بفضل موسم حصاد قياسي في أستراليا وتأمين صادرات كبيرة من الهند، وتصدّر أوكرانياوروسيا 29 % من إجمالي قمح العالم عن طريق البحر الأسود غالباً، لذا تُعد الحرب في أوكرانيا، المعروفة بأنها بمثابة سلة خبز أوروبا، تطوراً خطيراً يهدد الأمن الغذائي العالمي نظراً لأهمية القمح والأرز بين السلع الغذائية. وتوجد عدة دول نامية من مستوردي القمح في العالم، أبرزها مصر وتركيا وإندونيسيا والجزائر، وجميع هذه الدول معرضة لآثار سلبية كبيرة نتيجة لارتفاع أسعار السلع الغذائية. وقد خفضت وزارة الزراعة الأمريكية، في تقريرها الشهري، تقديراتها للصادرات الروسية والأوكرانية بإجمالي يتراوح بين سبعة ملايين و52 مليون طن، لكن هذه التقديرات لا تزال غير دقيقة تماماً، ويمكن أن ترتفع بشدة جراء الحرب الطويلة لتسبب مزيداً من الارتفاع في الأسعار. كما ارتفعت أسعار اليورانيوم الفورية إلى أعلى مستوياتها منذ كارثة فوكوشيما النووية عام 2011، بعد إعلان البيت الأبيض عن نيته فرض عقوبات على شركة روساتوم الروسية الحكومية للطاقة النووية. ويستفيد سوق اليورانيوم اليوم من إقبال المستثمرين المتزايد في ظل الارتفاع الحالي لأسعار أنواع الوقود الأخرى، ورغبة أوروبا الجديدة في تخفيض الاعتماد على النفط والغاز الروسي. وتجدر الإشارة إلى أنّ اتخاذ القرار بفرض عقوبات على شركة روساتوم سيسبب مزيداً من النقص في العرض الضعيف مسبقاً، إذ تتولى الشركة بفروعها تخصيب أكثر من 35 % من اليورانيوم العالمي، وشكلت الصادرات الروسية لعام 2020 نسبة 16.5 % من واردات الولاياتالمتحدة من اليورانيوم. وتمكّن المستثمرون في هذا القطاع من إحراز مكاسب جديدة، في ظل ارتفاع قيمة تداول صندوق سبروت فيزيكال يوارنيوم ترست، وهو صندوق يملك مخزوناً من اليورانيوم؛ وصندوق جلوبال إكس يورانيوم المتداول في البورصة، الذي يوفر وصولاً إلى مجموعة كبيرة من الشركات العاملة في مجال التنقيب وإنتاج المواد النووية.