قصّة النجاح المذهل الذي سجلته بلادنا في دحر الإرهاب واجتثاثه خليقة بالتقدير والإعجاب والفخر؛ أن تتصدّى لمحاولات مستميتة تقوم بها بعض الدول وتوظّف من أجلها فئام من الإرهابيين العتاة -الذين باعوا أنفسهم وضمائرهم للشيطان؛ ولا يرقبون في أحدٍ إلاًّ ولا ذمّة- فهو إنجاز عظيم. ويمكن تفهّم ومعرفة الدوافع الظاهرة والخفيّة التي تقف خلف تلك المحاولات الإرهابية بقصد الإساءة للملكة وبث الفوضى فيها؛ فموقع المملكة الجيوسياسي والاقتصادي وزعامتها المستحقة لقيادة المشهد العربي هو بعض من استحقاقها الذي تَوّجتْهُ أدوار ومواقف وتاريخ وسجل من الجهود العظيمة التي نهضت بحملها وأعبائها، دون أن تنتظر جزاءً أو شكوراً؛ وإنما هو استشعار لهذه المسؤولية التاريخية التي دشّنها موحد هذه البلاد العبقري الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- ولذا فالمشهد بقتامته وجهامته الذي يكسو واقعنا لم يكن مفاجئاً ولا غريباً؛ أن تتحمّل المملكة كل هذا السواد من الحقد واكتظاظ المشاعر الكارهة والمغموسة حقداً وتربّصاً وسعياً للإيذاء. ومع ذلك فقد امتلكت قيادتنا -على تعاقب ملوكها- الدُّربة والحسّ السياسي الحكيم الفطن في مجابهة كل محاولة تقصد الإيذاء والإساءة، وقد ضربت أروع الأمثلة في تدبير ومعالجة أي مكر أو محاولة إيذاء مستعينة على ذلك بإيمانها الراسخ ثم بيقينها صدقَ نواياها وخيرية أعمالها ومواقفها. هو واقع زاهٍ رسخ في أذهان المنصفين وتشكّل صورة ذهنية مشرّفة عن واقع هذه المملكة وقيادتها. وقد سعى -ولا زال يسعى- الموتورون والحاقدون الشانئون لبلادنا وأدوارها العظيمة -التي تستهدف الخير والسلام والأمن والاستقرار للجميع- في بث الفوضى يحدوهم -هدف ضمن أهداف- أن تعيش مملكتنا "جحيم اللادولة" الذي عبث ببعض دولنا للأسف، متمنين لنا جحيماً يثير رياح الانقسامات والتشرذم وفقد الأمن واستباحة الدماء البريئة؛ عن طريق زعزعة الأمن وقتل الأبرياء، وخلق الفوضى والرعب. ولكن هيهات؛ فقيادتنا آلت على نفسها ردع كل من تسول له نفسه العبث أو استباحة دماء الأبرياء أو مجرد محاولة النيل من أمننا واستقرارنا. فبالأمس لم يكن مفاجئاً حالة الرضا عن الإعلان الصادر من وزارة الداخلية في بيانها الأخير، بتطبيق الحد الشرعي في عدد من الإرهابيين الذين تنكّبوا طريق الحق واستسلموا للشيطان وباعوا أنفسهم واعتنقوا الفكر الضال وأزهقوا الأنفس وأضاعوا الحقوق وعرضوا مصالح الوطن للخطر. وقد أكد البيان الحاسم أن المملكة مستمرة في ردع الإرهاب بكافة صوره، والقصاص لأرواح الشهداء ممن وقعوا ضحية العمليات الإرهابية، وترسيخ الأمن وحماية المواطنين والمقيمين. وهو امتثال لشرع الله وسنة نبيه التي كفلت الحقوق. وقد كان الموقف الصارم المتماشي مع عقيدتنا المتضمن إدانة هذا الإرهاب؛ وقد كان لهيئة كبار العلماء رأيها الصادع الواضح فيه، حيث أوضحت في بيان سابق: أن "أعمال استباحة الدماء، وانتهاك الأعراض وسلب الأموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت، وهتك حرمة الأنفس المعصومة، وهتك حرمات الأموال والأمن والاستقرار وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم؛ محرم شرعاً بإجماع المسلمين، وأن تلك الأعمال محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة". من هنا فإنّ البيان بتنفيذ الحد الشرعي في البغاة تأكيد على نبذ هذا الإرهاب وأن لا هوادة أو تساهلاً معه أبداً. وصدق القائل: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".