تشهد المملكة إصلاحات وتطورا كبيرا في النظم العدلية والتي تأتي بتوجيه خادم الحرمين الشريفين - أيده الله -، ورؤية سمو ولي العهد 2030، والتي عملت على جعل الإنسان محور اهتمامها، وهو ما أدى إلى تغييرات جذرية على الساحة العدلية والقانونية في المملكة، من ناحية جودة الخدمات وسرعة الوصول لها وإنجازها بأسرع وقت. ولذلك تولي المملكة اهتماما كبيرا بصون حقوق الإنسان، واستقرار الأسرة وحماية حقوق أفرادها، وهذا ما جسدته موافقة مجلس الوزراء يوم أمس على نظام الأحوال الشخصية بعد استكمال الإجراءات النظامية لدراسته. وتعد الموافقة على نظام الأحوال الشخصية هو التزام القيادة بنهج التطوير والإصلاح في الشأن العدلي، كما تشكل الموافقة على نظام الأحوال الشخصية ترجمةً عملية للجهود التي يقودها ويشرف عليها سمو ولي العهد بشكل شخصي في استحداث الأنظمة العدلية التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة وتحقِّق التنمية الشاملة للمجتمع، والذي ينعكس على استقرار الأسرة، باعتبارها نواة المجتمع، ليكون عنوانها الألفة والرحمة والمودة. ويراعي مشروع نظام الأحوال الجديد التي اطلعت "الرياض" على مسودته وأبرز ملامحه، مستجدات الواقع ومتغيراته، ويساعد القضاة على التركيز على تطبيق النظام بدلًا من الاجتهاد في تحديد القاعدة الحاكمة، وسيعمل على ضبط السلطة التقديرية للقضاة، وفقًا لأحدث النظريات والممارسات الدولية بهذا الصدد، والحد من اختلاف الأحكام القضائية. أحكام منظمة يتناول النظام الأحكام المنظمة للعلاقة الأسرية، بما يشمل أحكام الخطبة والزواج والمهر وحقوق الزوجين والنفقات والفرقة بين الزوجين والنسب وحضانة الأولاد وأيضا الوصية والإرث، وكذلك ما يتعلق بالولاية والوصاية. ويهدف النظام إلى الحفاظ على استقرار الأسرة باعتبارها المكون الأساسي للمجتمع، وتأطير العلاقات بين أفراد الأسرة وحماية حقوقهم، وخصوصًا حقوق الطفل والمرأة، مع ضبط السلطة التقديرية للقضاء بما يعزز استقرار الأحكام القضائية، ويحد من الاختلاف في الأحكام. مضامين النظام وكان من بين مضامين النظام تسريع الفصل في المنازعات الأسرية من خلال تفريغ القاضي لتحرير الوقائع وتوصيفها وإثباتها، ثم تطبيق النص النظامي عليها، وتحديد السن الأدنى للزواج ب 18 عاما، والتأكيد على حق المرأة في نفقة زوجها عليها بغض النظر عن حالتها المادية، وإعمال الطرق الحديثة فيما يتعلق بإثبات النسب، ومراعاة الحفاظ على كيان مصلحة الأسرة في احتساب عدد الطلقات، والإلزام بتوثيق الوقائع المتعلقة بالأحوال الشخصية ومنها الطلاق والرجعة، وحفظ حقوق الأولاد كالحضانة ومنع المساومة بشيء منها بين الزوجين عند الفراق. إلى جانب إثبات حق المرأة في فسخ عقد الزواج بإرادة منفردة في عدد من الأحوال، وإلزام الزوج بتعويض الزوجة تعويضا عادلا عند عدم توثيقه وقائع الأحوال الشخصية في حالات محددة في النظام، وتمكين المرأة من توثيق الطلاق والمراجعة حتى مع عدم موافقة الزوج، ومراعاة مصلحة المحضون في المقام الأول أثناء تقرير أحكام الحضانة. صالح الأسرة ومن جانبهم علق مختصون قانونيون على موافقة مجلس الوزراء على إقرار قانون الأحوال الشخصية، وعن أبرز ما جاء في مسودته وملامحه من أنظمة، حيث ذكرت المحامية رحاب الحميدي أنّ الموافقة على نظام الأحوال الشخصية لتعزيز واستقرار الأحكام القضائية هي ثاني مشروعات منظومة التشريعات المتخصصة الأربعة صدوراً التي جرى الإعلان عنها بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1442 ه، والتي بقي منها: مشروع نظام المعاملات المدنية، ومشروع النظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، والموافقة الكريمة عليه تشكل نقلة نوعية في هذا النظام، ويصب في صالح الأسرة والفرد والمجتمع وسيسهم في حفظ حقوق الأسرة وفقا لقواعد قانونية منظمة للعلاقات وللحقوق وللواجبات. وأضافت أن وجوده مهم ليحكم ويضبط مسائل الأحوال الشخصية في هذا الوقت وهو أمر في غايه الأهمية باعتباره الأشد صلة بالحياة اليومية والأكثر تأثيراً على أفراد الأسرة، فهو الذي يحكم شؤونها والعلاقة بين أطرافها وحقوقهم وواجباتهم وهو الذي يضبط أمور الزواج والطلاق ورعاية الطفل وغيرها. من جهته قال المحامي والمستشار القانوني أحمد إبراهيم المحيميد إنّ استقرار الأسرة وحماية حقوق أفرادها، هي ما نصت عليه رؤية 2030 في الإصلاحات التشريعية، لافتاً إلى أنّ تحديد مشروع النظام الجديد السن الأدنى للزواج ب 18 عاما فقط هو تأكيد على ما ورد في نظام الحماية من الإيذاء ونظام حماية الطفل، وتأكيد على الحد من زواج القصر، وتقنين إجراءاته، وهو ما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية. وأضاف أنّ التأكيد على حق المرأة في نفقة زوجها عليها بغض النظر عن حالتها المادية يبين دور الرجل في القوامة ومسؤوليته عن الأسرة، ويضع حدا للخلافات الزوجية عند الاختلاف على النفقة ومصاريف البيت وأنها ملزمة على الرجل واختياري للمرأة، وعند الاختلاف يلزم الرجل في النفقة وفق الأحكام الشرعية والنظامية لما فيه استقرار الأسرة. وأشار إلى أنّ مفهوم ضبط السلطة التقديرية للقضاء كما جاء في كلمة سمو ولي العهد يعزز تنظيم سلطة القاضي في الاجتهاد، حيث إن التقنين يحد من الاختلاف ويوحد الإجراءات والأحكام ويمنع الاختلاف، وهذا الإجراء يسهل عمل المحامين والقضاة ويعطي المتخاصمين فرصة لمعرفة الإجراءات والأحكام قيل الوصول للمحاكم. ونوه إلى الحاجة لتسريع الإجراءات القضائية للحد من المماطلة والتغيب وعدم الحضور والحد من التأجيل وبعد المواعيد وتراكم القضايا، وهذا ويساعد القضاة على التركيز على تطبيق النظام بدلًا من الاجتهاد في تحديد القاعدة الحاكمة.