تتنافس بعض الأجهزة الحكومية في إبراز منجزاتها، والمبالغة أحياناً في طرح أعمال روتينية وكأنها قصص نجاح كبرى، دون وجود آليات كافية تتيح تقييم أدائها بموضوعية من قبل الباحثين والإعلاميين، وعموم المواطنين. ويمثل التقرير السنوي للجهاز متى ما أعد بدقة، ونشر بشفافية، أهم أدوات التعرف بشكل شامل على مهام الجهاز وأعماله ومشاريعه ومبادراته، وما خصص له من ميزانيات، وما يتقاضاه من رسوم وغرامات، ومن ثم الحكم هل يحقق الجهاز إنجازات، أم إخفاقات. وبعد مخاض طويل، صدر أخيراً دليل «ملزم» لإعداد التقارير السنوية للأجهزة العامة عن مركز «أداء»، كبديل عن دليل استرشادي أعده معهد الإدارة العامة قبل أكثر من عقدين، وما يميز الوليد الجديد أنه أوجب تضمين التقارير السنوية، أمرين رئيسين: أولاً) «عقود» المشروعات الموقعة، وتكاليفها، وسير العمل فيها، وما أنجز خلال العام، ونسبته، وأسماء المقاولين المنفذين، وغير ذلك من تفاصيل. ثانياً) الخطة السنوية بداية العام، وذلك وفق مؤشرات قياس دقيقة للأداء، ومن ثم التوضيح بالأرقام ما أنجز نهاية العام ونسبته وفقاً للمخطط له. وستعاني الجهات التي لا تضع خططاً دقيقة، ومؤشرات أداء مدروسة بداية العام، أو التي تعد استراتيجيات مطولة، جميلة الشكل، خاوية المضامين، وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع، ستعاني من صعوبات كبيرة نهاية العام، عند إعداد التقرير السنوي، وستواجه أزمة حقيقية اعتباراً من العام المالي الحالي 2022م، وهو الموعد المحدد لبدء الالتزام بالدليل. إذ أنه من المتوقع أن تتمحور مستقبلاً ملاحظات أعضاء الشورى وانتقاداتهم للأجهزة العامة عند مناقشة تقاريرها السنوية حول جودة الخطط وواقعية مؤشراتها، وهل تم تحقيقها؟ وعقود المشاريع، وهل تم تنفيذها؟ ومدى الالتزام بنماذج وتعليمات دليل «أداء». ومن واقع خبرة طويلة في إعداد تقارير سنوية لثماني جهات حكومية وخاصة، بعضها لعدة سنوات، فإن لدي ملاحظات تفصيلية عديدة حول الدليل، ومن ذلك مثلاً عدم وضع معايير لما هي العقود التي يجب تضمينها، وخاصة في وزارات ضخمة مثل الصحة، والتعليم، والشؤون البلدية والقروية والإسكان، ووضع النظرة العامة على الجهاز في نهاية التقرير بدلا عن بدايته كتسلسل منطقي، وعدم وضع تعريفات واضحة للجميع للتفريق بين المشاريع والمبادرات مثلاً. كما نص الدليل على: «للأجهزة العامة نشر تقريرها السنوي أو محتوياته للعموم»، ونحو الشفافية أتمنى تعديل هذه الفقرة، لتصبح: «يجب على الأجهزة العامة نشر تقريرها السنوي عبر موقعها الإلكتروني وتزويد وسائل الإعلام به، باستثناء الأعمال ذات الطابع السري، والتحديات الحساسة المتعلقة بأجهزة حكومية أخرى». أخذاً في الاعتبار أن 76 % من الجهات الحكومية لم تحدث تقاريرها السنوية في موقعها منذ سنوات، أو لا يوجد في مواقعها أي تقرير، فيما 24 % منها فقط نشرت تقارير حديثة، وفقاً لما ذكرته إحدى الصحف. هذا واقع يجب أن يتغير، من أجل تواصل فعال بين كل جهاز وجمهوره، بخاصة أن هناك تقدماً لافتاً في معظم ما تقدمه الأجهزة الحكومية من خدمات، ويجب التعريف بها بشكل مقنع ومتوازن، بلا مبالغات.