يعاني العالم من ارتفاع مستويات التضخم، الولاياتالمتحدة الأميركية من أكثر الاقتصادات التي تأثرت بالتضخم، حيث وصل في شهر يناير الماضي إلى نحو 7.5 % وهو أعلى رقم للتضخم في أميركا منذ العام 1982م أحد أهم الأسباب هو ضخ سيولة عالية لإنعاش الاقتصاد، وكان له انعكاس سلبي على التضخم، الفيدرالي الأميركي لم يتعامل مع التضخم في البداية بجدية، كان يعتقد بأنه مؤقت لا يستوجب تشديد السياسة النقدية ولكن مع مرور الوقت أيقن أعضاء الفيدرالي أن التضخم ليس عابرا بل جاثما على الاقتصاد، وصدرت تلميحات في الآونة الأخيرة من مسؤولي الفيدرالي عن قرب موعد تشديد السياسات النقدية وقبلها تم تقليص شراء الأصول، ومن المتوقع أن يبدأ أول رفع لأسعار الفائدة مع نهاية شهر مارس المقبل وقد تكون البداية بنصف نقطة مئوية وذهب البعض إلى أن الرفع قد يبدأ بنقطة مئوية، على أن تتبعها زيادة خلال العام قد تصل إلى 4 مرات، إن معالجة الضغوط التضخمية عن طريق تشديد السياسة النقدية قد تؤثر على تعافي الاقتصاد وخصوصا في الدول النامية، المشكلة أن السياسة النقدية ليست كل المشكلة بل هي جزء من مشكلة أكبر ولذلك لن نشهد تراجعا كبيرا في أسعار التضخم مع تشديد السياسات النقدية ولكنها تبقى أحد أهم الحلول، على أن تتبعها معالجة شاملة لكل مسببات التضخم وتعاون من جميع الدول، من ذلك معالجة نقص سلاسل الإمداد لأن نقص العرض الناجم جزئيا عن الطلب القوي يمثل مشكلة للمنتجين في تلبية الطلب وهذا قد يستغرق بعض الوقت كي يعود الإنتاج إلى مستويات ما قبل الأزمة، أزمة النقل وارتفاع تكاليفه نتج عن نقص الحاويات، حيث ارتفع قيمة حجز حاوية 40 قدما لشحن البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا من 2500 دولار قبل مارس 2020 إلى نحو 12 ألف دولار الآن بل هنالك من دفع 30 ألف دولار من أجل وصول بضائعه في الوقت المحدد، أيضا ارتفاع أسعار النفط والغاز يمثل مشكلة حقيقية وسوف يؤثر بالسلب على الدول الصناعية المتقدمة ويرفع تكلفة الإنتاج، بينما تستفيد من هذه الارتفاعات دول مجموعة الأوبك وعلى رأسها دول الخليج، لأن ارتفاع أسعار النفط يعنى عائد أكبر على اقتصادها، ولكن هذا الارتفاع في أسعار النفط سوف يرفع مستويات التضخم في هذه الدول لأن حجم الاستيراد كبير، أسعار النفط قد تصل إلى مستويات قياسية إن لم تنتهِ المشكلات الجيوسياسية بين الغرب وروسيا حول قضية أوكرانيا لأن أي تحرك من جانب روسيا للدخول في حرب مع الغرب فإن ذلك يعني حدوث أزمة اقتصادية كبيرة قد تعاني منها دول العالم وخصوصا أوروبا التي تعتمد على الغاز الروسي وإيجاد بديل عنه سوف يستغرق سنوات، ولذلك لا بد من تغليب المصالح الاقتصادية على المكاسب السياسية التي لن تجلب للعالم إلا الخراب، الصين رغم تأثر نمو اقتصادها بزيادة أسعار النفط إلا أنها استطاعت التحكم بمستويات التضخم ونجحت في تحويل السلوك الاستهلاكي للأفراد من شراء المنتجات المستوردة إلى المنتجات المصنعة محليا وهذا قد يتسبب في ضربة قوية للشركات الأميركية والأوربية العملاقة مثل شركات الملابس والأحذية والأجهزة بعد أن نجح الصينيون في تطوير منتجات مماثلة لها في الجودة وبأسعار أقل وظهر أثر ذلك على مؤشر التضخم الذي ترجع في شهر يناير إلى 0.9 % على أساس سنوي. نعود إلى محور حديثنا حول أثر تشديد السياسات النقدية على الاقتصادات النامية، فقد أدى انخفاض أسعار الفائدة إلى تراجع تكلفة الأعباء التمويلية على الشركات، وتمكنت الحكومات من إصدار أدوات دين منخفضة التكاليف، المملكة استفادت من هذه الأسعار المتدنية ورفعت حجم الدين إلى نحو 900 مليار ريال 83 % بفائدة ثابتة وقامت بسداد ديون مستحقة كانت بأسعار عالية، ولكن مع تشديد السياسات النقدية ورفع أسعار الفائدة التي قد تتجاوز 2 % مع نهاية العام الحالي سوف تضغط على نمو الاقتصاد، وقد حذر صندوق النقد الدولي في محضر توقعاته المعدلة للاقتصاد العالمي في 25 يناير الماضي، بأنه يتعين على الدول ذات الاقتصادات الصاعدة والنامية الاستعداد لاحتمال "فترات من الاضطراب الاقتصادي" مع بدء الاحتياطي الفيدرالي رفع معدلات الفائدة الأساسية.