عرف العالم ما بعد الحرب الغربيّة (العالميّة) الثانية أقوى حلفين عسكريين سياسيين هما حلف «الناتو» للمعسكر الغربي (1949) وحلف «وارسو» للمعسكر الشرقي (1955). ومثّل هذان الحلفان قمة توازن القوى على مستوى العالم ودارت في فلك الحلفين دول وتحالفات أخرى دون أن تكون أعضاء بشكل رسمي في هذين الحلفين. وتأرجحت دول أخرى في خياراتها السياسيّة والاقتصاديّة وأنشأت حلف «عدم الانحياز» ولكن دول هذا الحلف لم تكن بعيدة عن هذين القطبين الكبيرين. وبخصوص حلف وارسو فلم يكن له إنجازات كبرى باسمه كحلف، وقد ضعف الحلف حتى تلاشى تقريباً مع نهاية ثمانينات القرن الماضي. أما حلف الناتو فقد كان له وباسمه نشاط سياسي وعسكري كبير في مناطق كثيرة من العالم ومن أبرزها: تحرير الكويت 1991، وحسم الصراع في البوسنة والهرسك عام 1995، والتدخل في كوسوفو عام 1999، ودخول قوات باسمه في أفغانستان والعراق عام 2003، ثم التدخل تحت راية الفوضى الخلاقة في ليبيا وسورية 2011. في عالم اليوم يبدو أن الدول الكبرى والصغرى باتت تتبع أسلوب التحالفات المصلحيّة المؤقتة فيما يشبه «التيك أوي» فلم تعد واشنطن راغبة في الحمل الزائد المتمثّل في بضع دول أوروبيّة بل وطالبت بنفقات الحماية ثم شكلت تحالفات جديدة مثل تحالف «أوكوس» مع أستراليا والمملكة المتحدة لمواجهة الصين وربما روسيا المهددين الكبيرين للمصالح الأميركيّة. وحين واجه «بايدن» مأزق الطموح الروسي في أوكرانيا بحث عن حلفاء مؤقتين كانت واشنطن قد ولت وجهها عنهم فأخذ يعلن عن ضم دول لقائمة حلفاء رئيسين لواشنطن خارج إطار حلف شمال الأطلسي «الناتو». وهذا السلوك تقليد أميركي لتمييز حلفاء «الحاجة» أطلقه الجمهوري رونالد ريغان عام 1987، وكانت مصر مع إسرائيل وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبيّة قد أُدرجت تحت هذا التصنيف حينها ثم لحقت بهم البحرينوالكويت مع دول أخرى عربيّة وغير عربيّة ليبلغ مجموع حلفاء الحاجة الأميركيّة 18 دولة تقريباً. ومعضلة الأحلاف المساندة هذه أنها تلتزم من جانب واحد في حين أن التزام الحليف الأميركي بحسب مصلحته. ومن هنا بدأت كثير من الدول في ممارسة هذا النمط من التحالفات فترى لها حليفاً سياسياً في سنة، ثم آخر لترتيب اقتصادي في عام آخر وهكذا. ومشكلة حلف المصالح المؤقتة أنه يسير على خطوط تكتيكيّة وقد يأتي عليه ظرف ضاغط فيضطر للاصطدام بحليفه الأكبر ولا تسأل عن نتيجة ارتطام قارب شراعي بصخرة قاسيّة في محيط هائج. * قال ومضى: قبل أن تبتهج بمن تحالفه.. تأمل مصيرك عندما تخالفه.