يدفع الرئيس جو بايدن بالمزيد من القوات الأميركية الى أوروبا، ليصل عدد الجنود الاميركيين في الأراضي الأوروبية إلى أكثر من 60 ألف جندي، وفي مناطق ليست ببعيدة، تنشر روسيا أكثر من 120 ألف جندي على حدود أوكرانيا، لتكون أعداد الحشود العسكرية في أوروبا اليوم هي الأكبر منذ اندلاع الحرب الباردة. أما دول أوروبا الغربية، الخائفة من طموح موسكو، والخائفة أيضاً من تصعيد أميركا، فتعتمد في أكثر من 40 بالمئة من حاجاتها من الطاقة على الغاز الروسي، ما يخلق عقبة كبيرة تمنع دول أوروبا، لاسيما فرنساوألمانيا، من الذهاب بعيداً في ضغوطاتها على روسيا، وذلك خوفاً من قدرة موسكو على إطفاء النور ووسائل التدفئة في أوروبا في هذا الشتاء القارس. لهذا السبب، رفضت ألمانيا تزويد أوكرانيا بالسلاح، وفي باريس أيضاً، لم يخفي الايليزيه تذمره من الموقف الأميركي - البريطاني الأكثر تشدداً مع روسيا، حيث لا ترى باريس في التحشيد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا، خطراً وشيكاً، فبحسب مسؤول فرنسي رفيع المستوى لصحيفة "لوموند" فإن باريس ترى أن هذه التحشيدات العسكرية ليست بالأمر الجديد ولا تشي بالضرورة الى غزو روسي مرتقب. وعلى الرغم من إبداء باريس عزمها ارسال بعض القوات الفرنسية الى اوروبا الشرقية في إطار مهام حلف الناتو، يحاول الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون أن يتوصل الى حلول دبلوماسية مع موسكو بمعزل عن أميركا وبريطانيا، حيث أدت حوارات رباعية جرت مؤخراً، جمعت فرنساوألمانياوموسكووأوكرانيا، الى تجديد اتفاق وقف إطلاق النار في الحرب الدائرة في شرق أوكرانيا منذ عام 2014. كما تحدّث الرئيس ماكرون مع نظيره الروسي بوتين الأسبوع الماضي واقترح "مساراً للتهدئة" بحسب وكالة الأنباء الروسية "تاس". من جانبها، تصرّ إدارة جو بايدن على أن روسيا لا تمتلك الحق بفرض شروطها على حلف الناتو، فتعمل وزارة الخارجية الأميركية بشكل موازي لعمل وزارة الدفاع الأميركية للتوصل الى حلول دبلوماسية، مع الحرص على تزويد أوكرانيا بما يكفي من السلاح وتحريك ما يكفي من القوات العسكرية الأميركية لتطبيق ضغوطات تجعل تكلفة الحرب باهظة على روسيا ان حدثت. فبعد أن أرسل باين ألف جندي الى رومانيا، قرر إرسال 3000 الاف جندي اميركي اضافي الى مناطق أقرب الى أوكرانيا، وعلى الرّغم من تأكيد جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون بأن هذه القوات لن تقاتل في أوكرانيا، وأن تواجدها ليس دائم، إلا أنها زادت من حدة التوترات مع روسيا. ولكن مع كل هذه الضغوطات التي تطبّقها واشنطن، تبقى دول حلف الناتو غير متوافقة على حجم الضغوطات وشكل العقوبات المشتركة التي يمكن تطبيقها على موسكو اذا ما أقدمت على اجتياح اوكرانيا، لتبقى عقدة "الغاز الروسي" أكبر معضلة تمنع توحّد دول الناتو في مواجهة موسكو. ومع تصدّر مشكلة الغاز الروسي قائمة التحديات التي تجعل روسيا تدرك أن دول أوروبا لن تستهدفها بعقوبات موحدة، تتجه العيون في واشنطن صوب قطر، صاحبة أكبر احتياطي غاز في العالم، لعله يكون قادر على حل مشكلة اعتماد أوروبا على الغاز الروسي. ومع زيارة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى واشنطن، ناقشت الصحف الأميركية مدى قدرة الدوحة على سد حاجات أوروبا من الغاز، ومدى إمكانية حل هذا التحدي عبر الغاز القطري. وأجمع معظم الخبراء في مجال الطاقة على أن حل هذه المعضلة، لن يكون بالأمر السهل لعدة اعتبارات عملية وتقنية. فكتبت شبكة "OFFSHORE Engineer" المختصة بتحليل أخبار الطاقة، أن طلب أميركا من قطر بتحويل امدادات الغاز الى اوروبا في حال هاجمت روسياأوكرانيا، لن يكون سهل التطبيق، لاعتبارات عديدة أهمها ارتباط قطر بعقود طويلة الأجل مع آسيا، ناهيك عن أن قطر تنتج الغاز اليوم بطاقتها شبه الأعظمية. ويقول خبير الطاقة، لوك كوتيل، من شبكة "S&P Global Platts" أن الطاقة التصديرية للغاز القطري اليوم هي 106 مليار متر مكعب، وسيكون من الصعب رفعها الى أكثر من 107 مليار متر مكعب في أفضل الحالات. وبحسب كوتيل، فان انتاج قطر من الغاز يباع بنسب 90٪ -95٪ عبر عقود طويلة الأجل مع دول آسيا مثل الصين واليابان، و 5٪ - 10٪ من الغاز يباع عبر عقود فورية يمكن تخصيصها لتذهب إلى أوروبا. وعلى الرّغم من عمل الدوحةوواشنطن على إرضاء الصين واليابان ببعض التعويضات لتحويل الغاز المخصص آسيا إلى أوروبا، تستبعد شبكة "OFFSHORE Engineer" إمكانية التوصّل الى تفاهمات في هذا الصدد مع دول آسيا. وفي حال تم تخطي عدد من العقبات، وتنازلت دول آسيوية عن بعض الغاز المخصص لها ليذهب الى اوروبا، ستتمكن قطر من تحويل 8% الى 10% من غازها على أبعد تقدير الى أوروبا، وهنا تظهر مشكلة أخرى، وهي مشكلة بعد المسافة بين قطر وأوروبا وصعوبة نقل الغاز في هذه الحالة حيث سيأخذ وقتاً طويلاً ليصل الى العملاء الأوروبيين. وعلى الرغم من خطط قطر لزيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة ٪40 من خلال مشروع توسعة حقل الشمال، إلا أن هذا لن يحل المشكلة حيث لن تتمكن قطر من زيادة الإنتاج وفقاً للخطة الجديدة قبل عام 2026. مجاعة تهدد لبنان إذا اندلعت الحرب في أوكرانيا في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي" ذكّرت المجلة بأن إمدادات الطاقة لن تكون المتأثّر الوحيد بالحرب في أوكرانيا، بل ستتأثّر الإمدادات الغذائية لدول في إفريقيا وآسيا، حيث تعتبر الأراضي الأوكرانية من ضمن الأراضي الأكثر خصوبة على وجه الأرض، كما تعرف أوكرانيا بكونها السلة الغذائية لأوروبا. وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن المناطق الشرقية من أوكرانيا، وهي الأكثر خصوبةً في البلاد، هي الأكثر عرضة لغزوها من قبول روسيا حيث يتجمع اليوم عشرات الآلاف من الجنود الروس بالقرب على المناطق الشرقيةلأوكرانيا. وأضافت المجلة "تعد أوكرانيا مصدر رئيسي للشعير والذرة والقمح لعدد كبير من دول العالم، ففي عام 2020، صدّرت اوكرانيا ما يقارب ال18 مليون طن متري من القمح ما يجعلها خامس أكبر مصدّر للقمح في العالم لعملاء في مختلف أنحاء الأرض من الصين إلى أوروبا. وبحسب "فورين بوليسي" فإن الدول النامية والفقيرة ستكون الأكثر تأثراً بالازمة الغذائية في حال تعرّضت أوكرانيا للغزو، وفي مقدمة هذه الدول لبنان، الذي يعتمد في نصف إيراداته من القمح على أوكرانيا، بالإضافة الى دول نامية أخرى تعتمد على القمح الأوكراني بشكل أساسي مثل اليمن وليبيا. والسبب وراء توقّع "فورين بوليسي" بأن صادرات اوكرانيا من القمح ستتاُثر في حال اندلاع الحرب، هو أن المناطق الغنية بالقمح شرق أوكرانيا، تنتشر فيها جماعات مقرّبة من روسيا ومن المحتمل أن تتمكن القوات الروسية من السيطرة عليها بسهولة بالتعاون مع قوات مدعومة روسياً داخل أوكرانيا.