حينما بدأت مدن المملكة، تشهد في مستهل الثمانينات من القرن الهجري المنصرم، نمواً سريعاً، وتوسعاً في رقعة أراضيها، نتيجة زيادة معدلات التحضر التي ارتفعت وتيرتها في ذلك الوقت، كان من أبرز مظاهر تلك المعدلات المرتفعة، هو النمو غير المنظم لهذه المدن خارج نطاق نواتها التاريخية، وذلك قبل أن يتم الشروع في وضع مخططات عامة لكثير منها، بهدف التحكم في نموها المتزايد، والعمل على توجيه هذا النمو. ذلك النمو الذي يوصف بغير المنظم، وله شواهد على أرض الواقع، يمكن أن نراه بوضوح في مظهرين إثنين: الأول هي الأجزاء من المدينة التي كان منشأ كثير من أراضيها زراعي في الأساس، إلا أنه بسبب توسع المدينة في المراحل المبكرة من ارتفاع معدل الهجرة إليها، سارع ملاكها (افراد أو مجموعة شركاء) في ذلك الحين إلى الاستثمار في تلك الأراضي، بتقسيمها إلى قطع سكنية، وفق متطلبات تنميه وتطوير متواضعة آنذاك لمخطط هذا التقسيم، حيث كان يخلو مثل هذا المخطط من وجود أي مرافق أو خدمات عامة. بل ظلت الاحياء التي تكونت من مجموع تلك المخططات في انتظار دورها لسنوات قبل أن يكتمل بها الحد الأدنى اللازم في هذا الجانب، إلى أن انتهى الحال بهذه الاحياء السكنية، بعد مرور عقود من السنوات خضعت فيها لحركة نزوح واحلال للسكان وربما للأنشطة داخلها، لأن تصبح المناطق القديمة المتهالكة وشبه المتهالكة من المدينة الواقعة ما بين مركزها النابض في الغالب بالحركة والنشاط الإداري والتجاري، والأحياء السكنية الحديثة الواقعة على طول امتداد محيطها الخارجي. لتندرج هذه المناطق ضمن ما اصطلح على تسميتها بالمناطق الرمادية (gray areas). التي توسم بذلك للصعوبة في إمكانية تقييمها والحكم عليها دون دراسة شاملة ومعمقة للظروف التي تعاني منها. أما المظهر الثاني الآخر فهي المناطق العشوائية (squatter areas) التي وإن كانت مشمولة بمصطلح المناطق الرمادية، إلا أنها تظل ممثلة لنسبة ضئيلة من مساحة تلك المناطق، حيث تعبر عن التجمعات السكنية التي أقيمت وحداتها على أراض عامة جرى التعدي عليها، الأمر الذي أعاق إيصال شبكة المرافق والخدمات العامة إلى كثير من تلك المناطق، وبالتالي فاقم من الظروف السيئة الناشئة معها. ما وجدت انه يعبر عن لبس لدى الكثيرين، خاصة مع اعمال الازالة في بعض احياء محافظة جدة، ضمن مشروع تنظيم ومعالجة الأحياء العشوائية هناك، هو الحكم المطلق على المناطق القديمة في مدن المملكة بأنها عشوائية..!! وأن الحل الوحيد والمتوقع هو إزالتها..!؟ في حين أن المناطق العشوائية لا تمثل في الواقع إلا نسبة ضئيلة من إجمالي مساحتها، كما هو الحال في أكبر مدن المملكة العاصمة الرياض (1%) فقط، يضاف إلى ذلك أن التعامل مع المناطق القديمة (الرمادية) في المدينة، بما فيها العشوائية، لا يقتصر فقط على الإزالة وإعادة التطوير، وإنما هناك سياسات أخرى بديلة، وربما موازية أيضاً في معالجتها، مثل إعادة التأهيل لتلك المناطق، وإعادة الإحياء، كما قد يشمل المحافظة على الأجزاء ذات القيمة التاريخية من تلك المناطق، ونحوها من السياسات الأخرى التي لا تخفى على ذوي الاختصاص.