فكر أحدهم في استثمار مبلغ من المال، واستشار مجموعة من الأشخاص الذين لهم شيء من الخبرة في مجال الاستثمار، وكل أدلى بدلوه، فمنهم من أشار عليه بافتتاح مقهىً، والثاني، أشار عليه بافتتاح مطعم، والآخر، مخبز، وهكذا. ولكنه لم يكتف بتلك النصائح والمشورات، بل قام بالاستعانة بشبكة الإنترنت، والدخول إلى إحدى المنصات الرسمية في المدينة التي يعيش فيها، والتي تهدف إلى تطوير المنشآت الصغيرة، والمتوسطة الحجم، وتقدم بيانات، وإحصائيات رسمية، وموثوقة، للمهتمين، من أفراد، ومؤسسات. وبعد ذلك توصل إلى أن أغلب فئات المجتمع في المدينة التي ينوي الاستثمار فيها، يقضون معظم أوقات فراغهم في المقاهي، وتوصل إلى أنهم يميلون إلى تصميمات معينة لتلك المقاهي، بل تعدى الأمر إلى معرفته لأهم المشروبات التي يفضلونها، وغير ذلك من التفاصيل الدقيقة، فقرر أن يكون استثماره في هذا المجال، استناداً إلى تلك البيانات، والإحصائيات التي تحصل عليها. السرد الخيالي السابق، ما هو إلا لبيان أهمية تحليل البيانات في اتخاذ قرارٍ صحيحٍ على المستوى الشخصي، أو على مستوى المؤسسات، والدول. وقد أحدث تطور الاستخدامات لشبكة الإنترنت، تحولاً كبيراً، في مجال تبادل البيانات والمعلومات، وفتحت المجال أمام الجميع، لطرح فكرة معينة، ومناقشتها، وإبداء الرأي في قضية ما، فلم تعد اللغة، أو العرق، أو الحدود المكانية، عوائق أمام فهم المجتمع الآخر، ومعرفة أدق التفاصيل عن نمط حياة مجتمع ما. وأصبحت التطبيقات الإلكترونية مستودعاً هائلاً للبيانات، يمكن أن يتم استغلالها متى ما أحسن التصرف معها. وبحسب بيانات صادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات، وهي وكالة الأممالمتحدة المتخصصة بتكنولوجيا الاتصالات، عن نمو عالمي قوي في استخدام الإنترنت، مع ارتفاع العدد التقديري للأشخاص الذين استخدموا الإنترنت إلى 4.9 مليارات شخص في 2021، عما كان عليه في عام 2019 - حوالي 4.1 مليارات شخص. ونتيجة لذلك ظهر لدينا مصطلح (البيانات الضخمة)، وهو ليس بالمصطلح الحديث، حيث استخدم لأول مرة عام 1999م، ويعني البيانات المستمرة بالنمو، والتي تتميز بالسرعة، والحجم، والتنوع ما بين بيانات مهيكلة، وغير مهيكلة، وشبه مهيكلة. ومع اتساع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح عدد البيانات مهولاً، وصار عدد تلك البيانات ضخماً، ومهولاً، ولا يمكن حصره. وأضحت تلك البيانات فرصة عظيمة يمكن من خلالها معرفة توجه مجتمع ما، في قضية معينة، والاستفادة من وفرة البيانات وسهولة الوصول إليها، في معالجة مشكلة قائمة، أو التخطيط لمستقبل، أو لصنع قرار، وغير ذلك. ولكن هذا الأمر يتطلب تحليلاً لتلك البيانات، حيث إن أغلبها تكون غير مهيكلة أو غير منظمة، وبالتالي تحتاج إلى تحليل، لتحويلها إلى معلومات يمكن الاعتماد عليها، والاستعانة بها. ولتحليلها، قد يتطلب الأمر الاستعانة بإحدى أدوات التحليل المستخدمة، ومن تلك الأدوات: Tableau Public و OpenRefine و KNIME و RapidMiner و Google Fusion Tables و NodeXL و Wolfram Alpha و Google Search Operators و Solver و Dataiku DS . وخلاصة القول هو أننا نعيش في عصر المعلومة، فمن يحسن التعامل مع البيانات، ويربطها ببعضها البعض، ويحللها، للحصول على معلومات، سيتمكن من التعامل مع حاضره، والتخطيط لمستقبله بشكل أفضل. * مدير المكتبة الرقمية في مكتبة الملك فهد الوطنية