كتبت مرارًا عن دور التعليم الجامعي في مواكبة الجديد وكيفية تحسينه، فدائمًا ما يعوَّل على التعليم الجامعي بأنه هو المسار الرئيسي لبناء القدرات والمهارات المختلفة في حياة الطالب قبل أن يتوجه إلى سوق العمل، بل إن مقاعد الدراسة هي المكان الذي يشكّل شخصيةَ الطالب ويصقلها بشكل كبير لنراها واقعًا في المستقبل فضلًا عن بناء القيم والأخلاق؛ ولكن التعليم التقليدي لا يكفي لاكتساب المهارات اللازمة للحياة فضلًا عن المهارات اللازمة للعمل، لا سيما في ضوء مواكبة المتغيرات التي نعيشها بشكل يومي؛ ولذلك من المهم أن نعتني بهذا الوقت الذي يقضيه الطالب في الجامعة؛ وهذا ما يجعل العبء على الجامعات كبيرًا، ويبقى السؤال: كيف يمكن أن يكون هناك إبداع في التعليم الجامعي؟ أقول: إن الإبداع في التعليم الجامعي يعمل على الارتقاء بالمعرفة العلمية لدى الطلاب، ويسهم في تحقيق مخرجات تعليم متميزة من شأنها أن تؤدي إلى نهضة المجتمع، وتخريج أجيال متعاقبة تتمتع بوعي ثقافي تستطيع من خلاله أن تواجه متطلبات الحياة المتغيرة بصورة أفضل من أجل تحقيق ميزة تنافسية في المجتمع؛ ولتحقيق ذلك من المهم خلق ظاهرة التعلّم الفعّال بين الطلاب، والابتعاد عن التلقين والحفظ خاصة في كليات العلوم والهندسة، ومحاولة ربط الظواهر الطبيعية والحقائق بالواقع، وبناء استراتيجيات مرنة ومواكِبة لكل ما هو جديد لتحسين العملية التعليمية، والعمل على إثارة الدوافع ورفع درجة الشغف لدى الطلاب، ومن المهم خلْقُ بيئة تعليمية لا تُشعِر الطلاب بالملل أو التفكير السلبي خلال الحصة الدراسية. ومن هنا أحب أن أنوه إلى أنّ العلاقة الإيجابية والحميمة بين الطالب والمعلم لا تؤدي فقط إلى طريق النجاح التعليمي للطلاب، بل تعمل على تنمية ذكائهم العاطفي والاجتماعي، وتعزِّز الشعور بمزيد من الراحة والأمان في بيئات الفصل الدراسي. وفي الختام: إن مسألة الإبداع في التعليم الجامعي قبل الخوض في سوق العمل لهو أمر مهم، والجامعات عليها العبء الأكبر باعتبار أن الطالب يقضي فيها عدة سنوات، وهي نسبيًّا تشكّل توجُّه الطالب، وتُشكل سلوكه وميوله في المستقبل. والكثير من الجامعات لديها القدرة على تقديم إبداعات جديدة؛ ولكن يجب أن يكون لها رؤية شجاعة لمواجهة التحديات والتعامل معها بطرق إبداعية؛ وإن كنتُ أرى أن دور المعلم هو الأكبر حتى يكون مبدعًا في صناعة التعليم. * باحث في علوم وهندسة المواد