يحيي الشعب الأذربيجاني هذه السنة ذكرى مرور 32 عاما على مأساة 20 يناير والذي سجل في تاريخ أذربيجان ك"يناير الأسود". وقد حدثت هذه المأساة في يوم 20 يناير عام 1990 نتيجة الاقتحام والقتل العشوائي للمدنيين التي قامت بها قوات النظام السوفيتي في مدينة باكو - عاصمة أذربيجان. وقد قامت القيادة السوفيتية بإصدار أوامر لحوالي 30 ألفاً من الجنود السوفيتية المدججة بالأسلحة الثقيلة لاقتحام مدينة باكو وذلك في محاولة لقمع الشعب الذي أصر على استرجاع استقلاله، حيث تم القيام بذلك الاقتحام بوحشية لم يسبق لها مثيل، مما أدى إلى قتل أكثر من 130 شخصا من المدنيين، وإصابة 700 شخص بجروح، وتم اعتقال وتعذيب مئات الناس. وكان من بين الضحايا فتى عمره 7 سنوات، وفتاة عمرها 16 سنة، وشيخ عمره 80 سنة، وطبيب شاب أطلق عليه الرصاص في سيارة إسعاف أثناء مساعدته للضحايا الآخرين، وكثير من المدنيين الأبرياء. فضح التناقض بين القيادات السوفيتية حقيقة النوايا الخبيثة للعدوان الغاشم، بعدما قال وزير الدفاع السوفيتي ديمتري يازوف، بأن هدف العملية العسكرية في أذربيجان هو حماية الحكومة الشيوعية في باكو، ومنع التيار المطالب بالحرية والاستقلال من الفوز في الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في شهر مارس عام 1990. وقد ورد في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش بأن هذه المأساة "من بين أبشع انتهاكات حقوق الإنسان ... وقد استهدفت الهجمات الأطقم الطبية، وسيارات الإسعاف، وطالت المستشفيات". فقد بدأت بوادر هذا العدوان عام 1988 حين قام زعماء الحزب الشيوعي السوفيتي البائد بمحاولات جدية لفصل منطقة قراباغ الجبلية التابعة لأذربيجان وضمها إلى جمهورية أرمينيا نتيجة الضغط الأرميني المتواصل على القادة السوفييت الموالين لهم داخل الإتحاد السوفيتي وخارجه. لقد أيقن الشعب الأذربيجاني بأن القيادة السوفيتية قد باعت قضيته وتواطأت مع أرمينيا ووجهت له طعنة من الخلف حيث اتضح هذا الأمر في موقف القادة السوفييت المتردد والمتخاذل تجاه هذه القضية العادلة والذي تمثل في الدعم اللامحدود للأرمن في عدوانهم على جمهورية أذربيجان. ونتيجة لهذا الدعم والتواطؤ فقد بدأ الأرمن طرد الأذربيجانيين من أراضيهم الأصلية في أرمينيا وقراباغ تمهيدا لفصل منطقة قراباغ الجبلية من أذربيجان. لقد هب الشعب الأذربيجاني في تلك الفترة الزمنية لمقاومة إجراءات أرمينيا عن طريق تنظيم المظاهرات والاجتماعات الجماهيرية الحاشدة تضامنا مع الشعب الأذربيجاني المطرود من أرمينيا وقراباغ الجبلية استنكارا لموقف وسياسة القادة السوفييت المتواطئة مع أرمينيا. لقد شكلت هذه المظاهرات والاجتماعات نواة للحركة التحريرية للشعب الأذربيجاني. وبهدف قمع الحركة التحريرية لجأت القيادة السوفيتية في محاولة للحفاظ على الإمبراطورية إلى استخدام القوة ضد الشعب الأذربيجاني؛ ففي ليلة التاسع عشر من يناير عام 1990 دخلت القوات المسلحة للاتحاد السوفيتي السابق إلى مدينة باكو عاصمة جمهورية أذربيجان والعديد من المدن الأذربيجانية الأخرى مستخدمة أحدث الأسلحة المتطورة حيث فتح الجنود نيران أسلحتهم في كل اتجاه وقتلوا وجرحوا المئات من المدنيين الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ العزل. لقد شكل هذا العدوان جريمة بشعة في حق المواطنين الأبرياء العزل وانتهاكاً صارخاً لسيادة جمهورية أذربيجان وانتهاكاً فاضحاً للقوانين والمواثيق الدولية وحقوق الإنسان. وقد مثل هذا الاعتداء امتحاناً للكرامة الوطنية وقمعاً لإرادة الشعب الأذربيجاني الذي بدأ كفاحه ونضاله العادل والمشروع لنيل استقلاله وحريته وإقامة دولته المستقلة. ومع ذلك، يعتبر أيضا 20 يناير واحدة من أكثر الصفحات المجيدة في تاريخ أذربيجان. وإن الفظائع المرتكبة فشلت في قمع حركة الاستقلال المتزايدة، وعززت إرادة وعزيمة الشعب الأذربيجاني لاستعادة سيادة الدولة. وقد استرجعت أذربيجان استقلالها عام 1991، ومنذ ذلك الحين أصبحت عضوا بارزاً في المجتمع الدولي. وفي يوم 20 يناير من كل عام يزور آلاف من الأذربيجانيين "مرقد الشهداء" في مدينة باكو تقديراً لذكرى أبناء الشعب الذين ضحوا بحياتهم من أجل استقلال أذربيجان. وبعد مرور اثنان وثلاثين عاماً على "يناير الأسود"، يتخذ شعب أذربيجان من ذلك اليوم ذكرى للحرية والعزة والكرامة الإنسانية، عازماً على مواصلة الكفاح من أجل التقدم نحو مستقبل. ومن المؤسف أن مأساة العشرين من يناير لم تلق حتى اليوم تقييما قانونيا دوليا لها بصفتها خرقا لحقوق الإنسان". *سفير جمهورية أذربيجان لدى المملكة العربية السعودية