قضيت عدة أيامي في المدينةالمنورة، تلبية لدعوة كريمة من معالي الأستاذ إياد أمين مدني، أمين عام "جائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية"، لحضور الدورة الثامنة لهذه الجائزة، حيث كرم خلالها كل من الدكتور فائز بن موسى البدراني الحربي، والدكتور تنيضب بن عواده الفايدي، وقد رعى هذه الجائزة الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينةالمنورة. كان الحضور لهذه الجائزة كثيفا ومن مختلف الشرائح العلمية والثقافية، ما يعكس حجمها ودلالاتها الحضارية وأهدافها العلمية والتاريخية في كل ما يختص بالجزيرة العربية؛ فهذه الجائزة لم تقف عند الدراسات المختصة بمنطقة المدينةالمنورة، لكنها شملت برعايتها ما كتب ويكتب من دراسات تاريخية عن الجزيرة العربية كلها، وهذه هي رؤية "أمين مدني" - رحمه الله- المؤرخ والكاتب المعروف الذي أصدر في مسيرته العلمية والتاريخية عديدا من الدراسات التاريخية المهمة التي عكست رؤيته وثقافته الواسعة المستنيرة. أعرف أحد الفائزين بهذه الجائزة وهو "فائز البدراني" وقرأت أغلب كتبه على ضخامتها وتشعباتها، لكنني لأول مرة، ومن خلال هذه الجائزة، اكتشفت قامة جديدة في مجال الكتابة التاريخية والثقافية هو الفائز الثاني "الدكتور تنيضب الفايدي" الذي أصدر عديدا من الدراسات المهمة في التاريخ والأدب، مع التركيز على المدينتين المقدستين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، وقد حملت معي عند عودتي جل إصدارته، ولعل من أبرز ما حملت: السيرة التربوية الموثقة للرسول صلى الله عليه وسلم وهي من جزأين، وهي دراسة مهمة بذل الباحث في العمل عليها جهدا كبيرا، وقد صدرت عن دار المفردات، ونفحات أدبية عن درر ومواقع مكية، وتاريخ طيبة في خير القرون، وعند المؤلف غير ما ذكرت العديد من الكتب التاريخية والأدبية، وبعض هذه الكتب عن مدن تاريخية. جلست أقارن وأنا أقلب مؤلفات هذه القامة المديدة التي تصول وتجول في فنون المعرفة، بينه وبين شخص اعتاد أن يطلق على نفسه ألقابا وصفات لم يطلبها أحد منه مع أن بضاعته لا تتعدى بضعة مؤلفات مصورة حوت صورا وحوارات عن المدينة والمقيمين فيها، وقد أغفل، عامدا، في هذه المؤلفات التي لا يتوقف عن الدعاية لها ذكر مكون سكاني أصيل من المكونات المدينية الحضرية العريقة، دون مبرر أو مسوغ إلا ما هو في دماغه، ونسي أن التاريخ أمانة، وأن منازل وسكنى هذا المكون في قبلة المسجد النبوي الشريف من عشرات، إن لم نقل مئات السنين، ولك أن تفسر ما يرمز إليه مثل هذا الموقع؟ ولي عودة بمشيئة الله للكتابة عن مؤلفات الفايدي، هذا العلم التاريخي الأدبي الذي انطلق من ينبع واستقر في المدينة طالبا ومدرسا ومسؤولا ومفتونا بكل ما يتعلق بهذه المدينة الطاهرة، دون ضجيج أو استجداء للمديح أو تمجيد للذات. وسوف يكون لي كذلك حديث عن المشروعات الطموحة في هذه المدينة الطاهرة، وعن تجربتي مع الفندق الذي نزلت فيه، وهي تجربة تستحق أن تروى خدمة للسياحة في هذه المدينة الطاهرة.