لم تشهد الأشهر الأخيرة تراجع نسبة تأييد الرئيس الأميركي جو بايدن فحسب، بسبب تعامله مع تداعيات فيروس كورونا، والأزمة الاقتصادية، والانسحاب الفوضوي من أفغانستان؛ وإنما شهدت أيضاً انخفاض شعبية نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس، التي دخلت التاريخ من خلال كونها أول امرأة سوداء تتولى هذا المنصب. وعلى الرغم من ذلك أصبحت الغالبية العظمى من المواطنين الأميركيين ينظرون إليها بشكل سلبي. انخفاض كبير في نوفمبر الماضي، وصل تصنيف كامالا هاريس إلى مستوى منخفض، والذي وصفه البعض ب"التاريخي" في استطلاع يبدو أنه جعلها أقل نائب رئيس شعبية في هذه المرحلة من الإدارة منذ 50 عاماً على الأقل. وفي هذا الاستطلاع الذي أجراه موقع (يو إس إيه) الأميركي بالتعاون مع جامعة "سوفولك"، انخفضت نسبة الموافقة على أدائها لتصل إلى 28٪. وهذه النسبة أقل من تلك التي حصل عليها نائب الرئيس ديك تشيني، الذي كان يُعرف سابقاً بأنه أقل نائب رئيس شعبية في التاريخ الأميركي الحديث. وتمثل تلك الأرقام انخفاضاً كبيراً منذ أن تولت هاريس منصبها، عندما كانت نسبة تأييدها تتجاوز 50% بشكل عام. ومنذ ذلك الحين، تعرضت هاريس لانتقادات لعدم وقوفها إلى جانب الرئيس جو بايدن في المناسبات العامة، ورفضها الذهاب إلى حدود المكسيك لأسابيع بعد أن تم تكليفها بمسؤولية الوضع. وبالطبع، سيؤثر تراجع نسب الموافقة على أداء الرئيس بايدن ونائبته على فرص الديمقراطيين في الانتخابات النصفية القادمة. كما كشف استطلاع أجراه موقع "راسموسن ريبورتس" الأميركي، في الفترة (5-6 ديسمبر)، على نحو ألف ناخب أميركي محتمل، أن 57٪ ممَّن شملهم الاستطلاع ينظرون إلى نائبة الرئيس نظرة سلبية، بما في ذلك 50٪ من الناخبين الذين ينظرون إليها نظرة سلبية للغاية. وفي الوقت ذاته، يعتقد 23٪ ممَّن شملهم الاستطلاع أنها مؤهلة جداً للتدخل وتصبح رئيسة للولايات المتحدة، لكن 46٪ يعتقدون أنها غير مؤهلة على الإطلاق لتكون رئيسة. وكشف الاستطلاع أيضاً أن 25٪ فقط من الناخبين غير المنتمين إلى أي من الحزبين الرئيسين ينظرون إلى هاريس بشكل إيجابي. ويُوضح ذلك أن هاريس لديها دعم ضعيف بين المستقلين إذا حاولت إطلاق انتخابات رئاسية مستقبلية. ويميل الناخبون السود إلى تفضيل رؤية هاريس أكثر من الناخبين البيض وغيرهم من ناخبي الأقليات. ويحمل 58٪ من الناخبين السود آراء إيجابية تجاه هاريس، مقارنة ب 36٪ من الناخبين البيض، و37٪ من ناخبي الأقليات الأخرى. أسباب تراجع شعبية هاريس منذ تولي منصبها كنائبة للرئيس، أخبرت هاريس حلفاءها، بشكل خاص، أن التغطية الإخبارية لها ستكون مختلفة عن أسلافها جميعاً، الذين وصفتهم بأنهم جميعهم من البيض والذكور. كما توقعت الصعوبات التي تواجهها مع القضايا المستعصية، مثل حقوق التصويت والهجرة. وتتمثل أبرز الأسباب الكامنة وراء التراجع الكبير في شعبية هاريس في الأشهر الأخيرة، والتي تمثلت فيما يلي: 1- رحيل مجموعة من فريق هاريس أصبحت المتحدثة الرئيسة باسم هاريس "سيمون ساندرز"، أحدث موظفة في مكتب نائبة الرئيس تعلن رحيلها، وانضمت إلى مدير العمليات الصحفية بيتر فيلز، ونائب مدير المشاركة العامة فينس إيفانز، بالإضافة إلى مديرة الاتصالات في فريق هاريس آشلي إيتين، والتي بدأت عملية الرحيل الجماعي الشهر الماضي، بعد أيام من نشر (سي إن إن) تقريراً وصف العلاقة المهنية بين هاريس والرئيس بايدن بأنها تواجه "مأزقاً كبيراً". وعلى الرغم من تأكيد المسؤولين علناً بأن تلك المغادرة كانت مقررة منذ فترة طويلة، وليست دليلاً على وجود اضطرابات؛ فإن مزيداً من المساعدين في مكتب هاريس عبّروا للصحف الأميركية عن اهتمامهم بالمغادرة، مما يكشف قدراً واسعاً من التذمر في فريق هاريس. 2 - انخفاض شعبية الرئيس بايدن والتعبير عن حالة الإحباط القائمة يعتقد بعض المحللين أن من ضمن الأسباب وراء انخفاض شعبية هاريس ارتباطها الكبير بالرئيس بايدن، وعندما انخفضت شعبيته خلال الأشهر الماضية، تبعتها استطلاعات للرأي كشفت انخفاض شعبية نائبته أيضاً. ومنذ تولي إدارة بايدن الرئاسة، سادت نظرة تفاؤلية في الأوساط الشعبية الأميركية بسبب الطموحات الكبيرة والخطط التي سيتم تطبيقها. ولكن مع عدم تحقيق الوعود المُقدَّمة خلال الحملة الانتخابية، بالإضافة إلى الانتكاسات التي مُنيت بها السياسة الخارجية الأميركية بالانسحاب الكارثي من أفغانستان، وارتفاع معدل التضخم الأميركي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية؛ انقلب الناخبون الأميركيون ضد الإدارة القائمة، وتَمَثّل ذلك في تراجع شعبية الرئيس ونائبته بشكل كبير. 3- عدم وضع خطة بشأن مسألة حقوق التصويت على الرغم من دعوة هاريس نشطاء إلى البيت الأبيض وإلقائها عدة خطابات في هذا الصدد؛ إلا أن مكتبها لم يضع خططاً مُفصّلة للعمل مع المشرعين للتأكد من أن المقترحين التشريعيين اللذين من شأنهما إصلاح النظام سيُمرران في الكونغرس. 4- تحيز الناخبين من الرجال (التمييز الجنسي) يُشير استطلاع للرأي أجرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن الرفض الأكبر لإدارة هاريس يأتي من الرجال بنسبة 56٪، بينما تبلغ نسبة رفض النساء 44٪. وفي هذا الإطار، أشارت واحدة من كبار المراسلين الأميركيين أماندا مارس إلى أن الفحولة هي أحد العوامل الرئيسة التي تفسر الاستياء من نائبة الرئيس، لافتة إلى أن نائب الرئيس هدف جيد لمعظم الهجمات المتحيزة ضد المرأة، ليس فقط على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن أيضاً بوسائل الإعلام المحافظة. ومما سبق، يُمكن القول إن هاريس واجهت نوعاً من التمييز الجنسي، بهذا الحجم، لأنها تولت منصباً كان يشغله الرجال تقليدياً، على مر التاريخ. 5- تبني معايير مزدوجة (العنصرية) ذكرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، في أحد اللقاءات، أن المعايير المزدوجة تتجاوز جنس السيدة هاريس، مشيرة إلى أنها وغيرها الكثيرين توقعوا ما ستواجهه هاريس باعتبارها أول امرأة نائبة للرئيس، والوريث الوحيد حالياً لأكبر رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدة عمراً، بالإضافة إلى أنها أول امرأة آسيوية سوداء. وذكرت كلينتون أن الحكم على هاريس بهذه الطريقة "قاسٍ للغاية، وغير عادل تماماً"، حيث إن المواطنين الأميركيين الإفريقيين يُعتبرون من أكثر المؤيدين لها بنسبة 65٪. 6- ضغوط الأعضاء الجمهوريين تعرَّضت هاريس لضغوط كبيرة من قبل الجمهوريين منذ توليها منصبها. وأكَّد الجمهوريون، في الكثير من الأحيان، أن كل مشكلة يُواجهها بايدن هي مشكلتها. مشيرين إلى أنها نائبة للرئيس وتظهر بجانبه في جميع الإعلانات. كما وجَّه العشرات من الأعضاء الجمهوريين رسالة إلى الرئيس بايدن يحثّونه فيها على استبدال نائبته هاريس بسبب إخفاقها في قيادة محاولات السيطرة على "الهجرة غير الشرعية" عند الحدود. 7- الافتقار إلى الثقة بالنفس وعدم الرغبة في العمل الجماعي مؤخراً، نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريراً يُشكك في مهارات إدارة هاريس وقدرتها على العمل الجماعي، وذلك من خلال إجراء مقابلات مع 18 شخصاً عملوا مع هاريس. وكانت من بينهم جيل دوران، التي عملت لدى فريق هاريس عندما كانت المدعي العام لولاية كاليفورنيا في 2013 واستقالت بعد خمسة أشهر فقط، ووجهت انتقادات لاذعة للمدعي العام السابق. وتمثلت المشكلة التي أشار إليها معظم من عملوا معها في أنها ترفض مراجعة المواد الإعلامية التي أعدها الموظفون، ثم تقوم بتوبيخهم عندما تبدو غير مستعدة ممَّا يشير إلى افتقارها للثقة بالنفس. 8- انتقادات مستمرة من وسائل الإعلام تعرَّضت هاريس لانتقادات مستمرة من قبل وسائل الإعلام المحافظة، على وجه الخصوص، بسبب حملة المغادرة الجماعية من قبل بعض أعضاء فريقها، وإخفاقها في التعامل مع قضية الهجرة، فضلاً عن الانتقادات الواسعة التي وُجهت لها بسبب شرائها وعاء طهي خلال رحلة عودتها من فرنسا. وبشكل عام، تعرَّضت هاريس لتدقيق حاد من قبل وسائل الإعلام تجلَّى في صورة تغطية صحفية سيئة لمختلف أنشطتها. 9- عدم الاهتمام بالعمل مع أعضاء الكونغرس بشأن قضية الهجرة في نوفمبر الماضي، أعلن العضو الديمقراطي هنري كويلار أنه لم يعد يعمل مع هاريس بشأن قضايا الهجرة، وحوّل تركيزه إلى العمل مع مسؤولي إدارة بايدن الآخرين، الذين وصفهم بأنهم "أكثر تعاوناً ومساعدة". وذكر أن تجاربه مع فريق هاريس كانت مخيبة للآمال. ومن جانبهم، أعرب بعض حلفاء هاريس عن استيائهم من الرئيس لإلقاء قضايا مشحونة سياسياً عليها، خاصة السيئ السمعة منها، كأزمة الهجرة غير الشرعية المستمرة على الحدود الأميركية المكسيكية. ويتضح ممَّا سبق، أنه بعد مرور ما يقرب من عام على تولي هاريس منصبها، تشير نتائج العديد من استطلاعات الرأي إلى أن ترشح هاريس للرئاسة لن يكون سلساً كما كان متوقعاً، وذلك في حال عدم ترشح بايدن مرة أخرى بناءً على ظروفه الصحية. رد فعل هاريس في مواجهة الانخفاض الكبير في معدلات التأييد، ومغادرة عدد من أعضاء فريقها، والانتقادات الواسعة من قبل الجمهوريين ووسائل الإعلام المحافظة؛ لجأت هاريس إلى المقربين الأقوياء، بما في ذلك هيلاري كلينتون، للمساعدة في التخطيط للمضيّ قدماً. كما قدَّم مكتب هاريس عشرات الأمثلة على عملها، وذلك من خلال إرسالها إلى فرنسا لمواصلة إصلاح العلاقات الفاترة بعد خلاف دبلوماسي بين الجانبين الأميركي والفرنسي. ووصف البيت الأبيض الرحلة بأنها "ناجحة". وأوضح مكتب هاريس أنها حضرت أكثر من 30 حدثاً ركزت على الترويج لأجندة الرئيس بايدن المحلية، وكانت بصمتها على مشروع قانون البنية التحتية النهائي واضحة، وأيضاً في قضايا مثل سياسة المياه النظيفة والاستثمارات لمكافحة حرائق الغابات. وفي سياق متصل، أشار مكتب هاريس إلى أن الرئيس بايدن أرجع الفضل لها في اهتمامها بإعفاء ديون قروض الطلاب بالموافقة على تمديد تجميد سداد القروض الفيدرالية حتى الأول من مايو، وهو القرار الذي أشاد به النشطاء والمشرعون الديمقراطيون. وختاماً، من المتوقّع تحسن نسبة تأييد هاريس خلال الفترة القادمة في ظل الشروع في تنفيذ برنامج "بناء عالم أفضل"، وتمرير مشاريع البنية التحتية واكتمال طرح اللقاح، واختيار أعضاء لفريقها يساعدونها في إتمام المهام المُكلَّفة بها. كما أنه من المتوقع بروز مستوى أداء هاريس بشكل واضح في حال إسناد البيت الأبيض مهام لها تتعلق بجائحة كورونا، والخروج من الأزمة الاقتصادية، أي تكليفها بمهام تندرج ضمن أكبر أولويات البيت الأبيض، لأن معظم المهام التي كُلّفت بها على مدار عام منذ توليها منصبَ نائبة الرئيس لم تُظهر بشكل واضح مدى كفاءتها وفعاليتها لهذا المنصب.