تبذل المملكة جهوداً غير عادية في مواجهة كل أشكال التغير المناخي، وتتجاوز بهذه الجهود المستويين المحلي والإقليمي، وصولاً إلى المستوى الدولي، إيماناً منها بأهمية أن تبادر جميع دول العالم طواعية بالحفاظ على كوكب الأرض، وإزالة جميع الأخطار المحيطة به. ولطالما حظيت جهود المملكة بتقدير العالم، وثناء المنظمات الدولية، التي رأت أن هذه الجهود «استثنائية»، وينبغي أن تكون نموذجاً دولياً يُحتذى به، وتسير على نهجه بقية الدول لإنقاذ ساكني العالم من التأثيرات المناخية المدمرة للبشرية والبيئة. وتلخص الدراسة العلمية التي قامت بها الباحثة عائشة السريحي، الصادرة ضمن «تعليقات» عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، هذه الجهود، وتُبرز بوصلتها الرئيسة وتوجهاتها خلال المرحلة المقبلة. الدراسة أكدت وبشكل صريح وواضح أن المملكة تمضي على المسار الصحيح في خفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة المرتبطة بقطاع الهيدروكربون بنسبة قد تصل إلى أكثر من 25 في المئة بحلول 2030. وتعكس هذه النسبة جدية المبادرات السعودية، والجدوى منها، فضلاً عن وتيرة العمل السريعة في تنفيذها، بغية تحقيق الأهداف المطلوبة كاملة، وفق خطط عمل متدرجة، وأهداف محددة، تتحقق على أرض الواقع من خلال تطوّر نهج المملكة من الحذر تجاه تدابير التخفيف من تغير المناخ العالمي، إلى المشاركة التقدمية، عبر دعم وتفعيل العديد من المبادرات، وتنفيذها في الوقت المناسب. وبذكر جهود المملكة في ملف التغير المناخي، فلا يمكن تجاهل أبرز المبادرات في هذا المسار، ممثلة بما أعلنه وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في مارس الماضي بإطلاق مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي تسعى إلى غرس 40 مليار شجرة في أنحاء المنطقة، وخفض انبعاثات الكربون بنسبة 60 في المئة؛ بمساعدة تقنيات الهيدروكربون النظيف، ليس هذا فحسب، كما أعلن سموه في منتدى مبادرة السعودية الخضراء وقمّة الشرق الأوسط الأخضر، عن إقامة عدد من المراكز والبرامج الإقليميّة لدعم أهداف المبادرة، إضافة إلى إعلان المملكة عن إنشاء صندوق استثماريّ، هو الأوّل من نوعه؛ لدعم مبادرتَين إقليميّتَين: حلول للطهي النظيف، والصندوق الاستثماريّ الإقليميّ لحلول تقنيات الاقتصاد الدائريّ للكربون. وتبقى أهمية الدراسة أنها ربطت بين جهود المملكة في ملف التغير المناخي وبين كونها دولة منتجة للنفط، أظهرت حرصاً على توجيه الاستثمارات والابتكارات الصحيحة اللازمة لتحقيق رباعيّة «إ» للاقتصاد الدائريّ للكربون، وهو ما يُمكّن المملكة من أن تصبح نموذجًا في معالجة جميع انبعاثات الغازات الدفيئة على طول السلسلة القيمة، من المنبع إلى المصبّ. إضافة إلى أنّ التنفيذ المبكّر لهذه التدابير المناخية سيضع المملكة على مسارٍ جاهز للمنافَسة في عالمٍ يَحُدّ من انبعاثات الكربون.