وجه كورونا فقط يوحي لك بأكثر من فكرة، حالته المرضية ومزاجه المتقلب يؤديان بنا إلى الحيرة والقلق، صراعاته مع نفسه ومع العالم تبعث الخوف أحياناً. أشك بأن هذا المخلوق كائن مضطرب يعاني من انفصام في الخلايا، فكل يوم يظهر وقرونه التاجية بصورة مختلفة وسلوك غير منضبط وشكل متحور جديد، وسلوكياته للأسف مضرة وعدائية ومميتة في بعض الحالات. الصحافة عالجت كورونا بطرق عديدة ومختلفة وبدرجات متفاوتة وقدمته للعالم بأساليب منوعة قد تكون هادئة غالباً أو مثيرة نوعاً ما أو حتى فاسدة لا تصلح للتعاطي بحسب كل جهة، ومع كل ذلك تبقى تلك المادة عصية على المعالجة وإن تعددت الأساليب والطرق فهي مادة مثار جدل واسع وتقارير إعلامية مديدة وأخبار ساعية وتفاصيل أكثر من الكثيرة قد تكون من أهم التجليات لاحقاً، وأعني طبعاً أدب مرحلة كورونا فيما بعد. وعلى كل الأحوال ستبقى الصحافة على طبيعتها الموضوعية النقية الخالية من الإثارة الضارة، أحد أهم المكونات الأساسية في معالجة المواد الخام كالقضايا والأحداث والصراعات والمناسبات ومنها أزمة كورونا حديث العالم وشغله الشاغل حاليا، وأتذكر في هذا السياق بأن أحد المقربين احتج على هذا المفهوم وقال: لماذا لا تكون الصحافة بنفسها مادة خام؟ وكان الجواب ببساطة أن الفارق بين المادة الخام والمادة الصحفية هو عملية المعالجة، بالضبط مثل الفرق بين النار والطعام فالنار معالجة والطعام مادة خام، وكذلك الحال مع قضايانا في الإعلام وأخص بالذكر تلك التي تتم معالجتها بموضوعية وعلى نار هادئة ومعقولة، بعيداً عن الإثارة والتشنجات حتى يتم معاينتها وإعدادها بشكل جيد في النهاية. وأعتقد بأن الأزمة الكورونية ستكون إحدى أهم المواد الخام التي اهتمت بها وعالجتها المادة الصحفية وإن اختلفت مقاييس المعالجة وطرق تحضيرها من مكان إلى آخر ومن مؤسسة إلى أخرى ومن كاتب إلى كاتب، فالمقادير مختلفة وتبقى ومادة كورونا حاضرة على مانشيتات الصحف وأعمدة الرأي كل يوم.