توماس مولر يكشف عن رحيله عن بايرن ميونيخ    التشكيل المتوقع للقاء الأهلي والاتحاد    قرار من جيسوس بعد خسارة الهلال أمام النصر    الحرب على المخدرات مستمرة.. ضبط عدد من المروجين بعدد من المناطق    تعليم جازان يعتمد مواعيد الدوام الصيفي بعد إجازة عيد الفطر    موسم جدة يحتفي بخالد الفيصل في ليلة "دايم السيف"    «هيئة الطرق» و «وِرث» يُطلقان مبادرة لوحات «ورث السعودية» على الطرق السريعة    ارتفاع صادرات كوريا الجنوبية من المنتجات الزراعية والغذائية في الربع الأول من عام 2025    الداخلية: ضبط (18407) مخالفين لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    أمطار رعدية غزيرة وسيول على عدة مناطق في المملكة    أسعار النفط تسجل تراجعًا بنسبة 7%    «التعاون الإسلامي» تدين قصف الاحتلال الإسرائيلي مدرسة دار الأرقم ومستودعًا طبيًا في قطاع غزة    الشيخ أحمد عطيف يحتفل بزواج ابنه المهندس محمد    "كريستيانو رونالدو" يعلق على تسجيله هدفين في " الديربي" أمام الهلال    الجيش الأوكراني: روسيا تنشر معلومات كاذبة بشأن هجوم صاروخي    "أخضر الناشئين"يفتح ملف مواجهة تايلاند في كأس آسيا    رونالدو يعزز صدارته لهدافي دوري روشن للمحترفين    أموريم: لست مجنوناً لأفكر في فوز مانشستر يونايتد بلقب الدوري الإنجليزي    «سلمان للإغاثة» يوزّع سلالًا غذائية في عدة مناطق بلبنان    مدرب الهلال يعلن تحمل مسؤولية الخسارة    بعد رسوم ترمب.. الصين توقف إبرام اتفاق بيع تيك توك مع أميركا    رئيس هيئة الأركان العامة يستقبل قائد القيادة المركزية الأمريكية    "دايم السيف"... الإرث والثراء الخالد    محمد واحمد الشعيفاني يحتفلان بزفافهما بالقصيم    إمام المسجد الحرام: الثبات على الطاعة بعد رمضان من علامات قبول العمل    إمام المسجد النبوي: الأعمال الصالحة لا تنقطع بانقضاء المواسم    بلدية رأس تنورة تختتم فعاليات عيد الفطر المبارك بحضور أكثر من 18 ألف زائر    العماد والغاية    إقبال كبير على الجناح السعودي في معرض بولونيا الدولي للكتاب    نهضة وازدهار    رؤية متكاملة لتنظيم سوق العقار    شكراً ملائكة الإنسانية    النوم أقل من سبع ساعات يوميًا يرفع من معدل الإصابة بالسمنة    بريد القراء    السعودية تدين وتستنكر الغارات الإسرائيلية التي استهدفت 5 مناطق مختلفة في سوريا    الملك وولي العهد يعزيان عضو المجلس الأعلى حاكم أم القيوين في وفاة والدته    مركز 911 يستقبل أكثر من 2.8 مليون مكالمة في مارس الماضي    نفاذ نظامي السجل التجاري والأسماء التجارية ابتداءً من اليوم    المملكة تستضيف "معرض التحول الصناعي 2025" في ديسمبر المقبل    المملكة تدين اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى    العثور على رجل حي تحت الأنقاض بعد 5 أيام من زلزال ميانمار    ودعنا رمضان.. وعيدكم مبارك    أكثر من 122 مليون قاصدٍ للحرمين الشريفين في شهر رمضان    الجيش اللبناني يغلق معبَرين غير شرعيَّين مع سوريا    المملكة تحقِّق أرقاماً تاريخية جديدة في قطاع السياحة    الدول الثماني الأعضاء في مجموعة أوبك بلس يؤكدون التزامهم المشترك بدعم استقرار السوق البترولية    الأونكتاد: سوق الذكاء الاصطناعي يقترب من 5 تريليونات دولار    بلدية محافظة الأسياح تحتفي بعيد الفطر وتنشر البهجة بين الأهالي    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الاثنين المقبل    بلدية محافظة الشماسية تحتفل بعيد الفطر المبارك    أكثر من 30 فعالية في (٨) مواقع تنثر الفرح على سكان تبوك وزوارها    احتفالات مركز نعام بعيد الفطر المبارك 1446ه    وزارة الصحة الأمريكية تبدأ عمليات تسريح موظفيها وسط مخاوف بشأن الصحة العامة    ترحيب سعودي باتفاق طاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان    محافظ الطوال يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك في جامع الوزارة ويستقبل المهنئين    باحثون روس يطورون طريقة لتشخيص التليف الكيسي من هواء الزفير    جمعية " كبار " الخيرية تعايد مرضى أنفاس الراحة    الأمير سعود بن نهار يستقبل المهنئين بعيد الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعيقلي: الشريعة الإسلامية حفظت الأموال والدفاع عنها
نشر في الرياض يوم 10 - 12 - 2021

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي المسلمين بتقوى الله، فمن عرفَ الله أطاعه، ومن أحبَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لزِمَ سنَّته، ومن قرأَ كتابَ الله عمِلَ به، ومن أيقنَ بالموت استعدَّ له، وتفكَّر في مُنصرَف الناس يوم القيامة: فريق في الجنة، وفريق في السَّعير .
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: إن من مقاصد الشريعة الكبرى، بل من الضروريات العظمى، المحافظةَ على الأموال، التي تقوم بها مصالح العباد، ولأهمية المال؛ شرعت الملكية الخاصة والعامة، وشرع للمرء أن يدافع عن ماله، فمن قتل دون ماله فهو شهيد، وأطولُ آيةٍ في كتاب الله، جاءت في شأن المال، والتصرُّف فيه وتوثيقه، وضبطه وحفظه، فالمال قرين العرض والدم، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ))، رواه مسلم، وفي الصحيحين، عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، لاَبْتَغَى ثَالِثًا، وَلاَ يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ))، فبنو آدم، مجبولون على حب المال، والسعي في طلبه، فيشيب ابن آدم، وقلبه لا يزال شابّا على حُبِّ المال، إلا من رحمه ربه، وجعل غناه في قلبه، فالمال فتنة، يبتلي الله به من شاء من عباده؛ فمن أجمل في طلبه، وأنفقه في حقه؛ فقد فاز وربح، وأفلح وأنجح، وكان بركةً عليه وأجرا، ولورثته ذخرا ومغنما.
وأضاف فضيلته: أما من جعل المال أكبرَ همِّه، فالحلال عنده ما حل بيده، ولم يبال من أين أكتسبه، فقد أصبح ماله وبالاً عليه، إن أمسكه لم يبارَكْ له فيه، وإن تصدقَ به لم يُقبل منه، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن خلّفه وراء ظهره، كان زادا له إلى النار، غرمه عليه، وغنمُه لورثته، ولا يثبت أمام هذه الفتنة، إلا الصادق النزيه، فالنزاهة: هي دليل الديانة، والصدق والأمانة، فمن نزَّه نفسَه، فقد أبعدها عَنِ الْمَطَامِعِ الدَّنِيَّةِ، وحفظ كرامتها وعزتها، وبذل أسبابَ غناها ورضا الرحمن عنها، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد كان يربّي أصحابه، على العفة والنزاهة، ففي الصحيحين عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعْطَانِي، ثُمَّ قَالَ: «يَا حَكِيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ، بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ، لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى»، قَالَ حَكِيمٌ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لاَ أَرْزَأُ أَحَدًا بَعْدَكَ شَيْئًا حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا، فَلَمْ يَرْزَأْ حَكِيمٌ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى تُوُفِّيَ رضي الله عنه وأرضاه، فالمسلمُ كلما تحلى بخُلُقِ النَّزَاهَةِ، أثْمَرَ في قلبه الورع والقناعةَ، واتصف بالصدق والأمانة، فنالَ محبَّة ربه، وفاز بمرضاته. قال الماوردي رحمه الله: "والنَّفس الشَّريفة تطلب الصِّيانة، وتُرَاعي النَّزاهَة، وتحتمل من الضُّرِّ ما احتملت، ومن الشِّدَّة ما طاقت، فيبقى تحمُّلها، ويدوم تصوُّنها".
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أنه إذا تخلى الناس عن خلق النزاهة، حل الفساد في المجتمعات، وضُيِّعت الأمانات، ونُهِبَت الخيراتُ، فالفسادُ يعصف بالقِيَم الأخلاقيَّة، القائمةِ على الصدق والأمانة، وينشُر الكذب والخيانة فالفسادُ يجعلُ المصالحَ الشخصيَّة، هي التي تتحكَّمُ في القرارات، فتتعثَّرُ المشارِيع، ويضعُفُ الإنتاج، ويتدنى مُستوى الخِدمات العامَّة ويُعزِّزُ العصبيَّةَ المقيتة، مذهبيَّةً كانت أو قبَليَّةً أو حِزبيَّةً.
وأكد الشيخ المعيقلي أن الفساد داءٌ عضالٌ إذا استشرى بأمَّة، أطاح بأركانِ نهضتِهَا، وكانَ سببًا كبيرًا في فشل تنميتها، وضياع مقدراتها، وإهدار مواردها، بسبب اختلال ميزان العدلِ فيهَا، فالنزاهة والعدل، أصل كل خير، والفساد والظلم، أصل كل شر، وللفسادِ المالي، صور كثيرة ومتعددة: اختلاس ورشوة، وتزوير وخيانة، فمن انعقد قلبه على الخيانة، تلطخ بالصور الباقية، فالرشوة من أعظم أبواب الفساد، وهي من كبائر الذنوب والخطايا، سواء سميت إكرامية أو هدايا، والراشي والمرتشي والرائش، ملعونون عند الله، مطرودون من رحمته، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، أغضبوا ربهم، وخانوا أمانتهم، وغشوا أمتهم، فخسروا دينهم ودنياهم.
وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أبواب الفساد المالي فمنع من تولى عملا للمسلمين، أن يستغل وظيفته، لمصالحه الشخصية، ووضع صلى الله عليه وسلم، قواعد وضمانات، لحماية المال العام، ففي صحيح البخاري، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا عَلَى الصَدَقَةٍ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ((مَا بَالُ العَامِلِ نَبْعَثُهُ فَيَأْتِي يَقُولُ: هَذَا لَكَ، وَهَذَا لِي، فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لا يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ))، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ، ((أَلا هَلْ بَلَّغْتُ)) ثَلاَثًا بلى لقد بلّغ عليه الصلاة والسلام، فوالله لن تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.
وأفاد إمام المسجد الحرام أن الأخذ من المال العام بغير حق، ظلم عظيم، يهوي بالمجتمع إلى فساد عريض، وهو جريمة في الشرع المطهر، وخيانة لولي الأمر، وكذلك من استرعاه ولي الأمر على عمل، فلا يحل له أن يأخذ فوق حقه، فما أَخذ فوق حقه فهو غُلُول، يغلُّ يد صاحبه يوم القيامة، ولو كان شيئا يسيرا، ففي صحيح مسلم: عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ، قَالَ: ((وَمَا لَكَ؟))، قَالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: ((وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى))، وفي التنزيل العزيز: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾، فمال الدولة، الأصل فيه الحرمة، وهو بمنزلة مال اليتيم، في المحافظة عليه، وتحريم الأخذ منه، والحرص الشديد على صرفه، بما تقتضيه المصلحَة ففي صحيح البخاري، قال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ))، قال ابن حجر رحمه الله: "أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل"، فاختلاس الأموال العامة، قليلها وكثيرها، كبيرة من الكبائر، من عظم جرمها وحرمتها، تُبطل ثواب الجهاد في سبيل الله، وتذهب أجر الشهادة، فهذا رجل خرجَ مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ، فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُال الصحابة رضي الله عنهم: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَلَّا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ الشِّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا، أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ، لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ))، قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ))، رواه البخاري ومسلم ولقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، صاحبه كعب بن عجرة رضي الله عنه، فقال له: ((يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، إِلَّا كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ))، رواه الترمذي في سننه والسحت: هو الحرام الذي لا يحل كسبه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وذلك لأن الطعام، يخالط البدن ويمازجه وينبت منه، فيصير مادة وعنصرا له، فإذا كان خبيثا، صار البدن خبيثا فيستوجب النار؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((كُلُّ جِسْمٍ نَبَتَ مَنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ))، والجنة طيبة، لا يدخلها إلا طيب".
وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن من ضعفت نفسُه، واتبع هواه وشيطانه، فأخَذ شيئا من المال العام بغير حله، وجبت عليه التوبة، ورد المال إلى خزينة الدولة، فعلى اليدِ ما أخَذَتْ حتى تؤديه، فالمال العام، حمايته واجبة، وحُرمته عظيمة، لكثرة الحقوق المتعلِّقة به، وتعدُّد الذمم المالكة له، فلنتقِ الله عباد الله، وَلْنراقبْه في كل صغيرة وكبيرة، فحقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله تعالى مبنية على المسامحة، والله جل جلاله يعفو ويصفح، ويتجاوز فيما يكون بينه وبين عبده، وأما حقوق العباد، فموقوفة على التحلل والاستباحة، فالعاقل يتقي اللهَ تعالى فيما يأخذ ويذر، ويتذكَّر تحذير النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، من الفضيحة يوم المحشر، وطوبى لمن حفظ أمانته، وأطاب مطعمه، وأحسن في تعامله، وصدق في حديثه، وأمِنَ الناس بوائقه، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
ونوه أن الأمانة صلاح وشرف وكرامة أمر سبحانه بحفظها ورعايتها، وفرض أداءها والقِيام بحقِّها، وهي من صفات الأنبياء والمرسلين، يبلغون بها رسالة ربهم، ويقيمون الحجة على أقوامهم، فما من نبي إلا قال لقومه: ((إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ))، ونبينا صلى الله عليه وسلم خير الأمناء، بشهادة الأعداء، فهو الصادق الأمين، وفي الصحيحين، من حديثِ عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما قال: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ، أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: "سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ"، فالأمانة من علامات الإيمان، وخيانتها نِفاقٌ وعصيان، وسبب للسقوط في النيران، فإذا ضُرب الصراط على متن جهنم، كانت دعوةُ الأنبياء هناك: اللهم سلّم سلم، ففي صحيح مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ، يَمِينًا وَشِمَالًا)).
وأكد أن الفساد المالي، على اختلاف أشكاله وصوره، من خيانة الأمانة، وأكل أموال الناس بالباطل، ظلما وعدوانا، وزورا وبهتانا، ولا يقف أمامه إلا الحارس الأمين، المُخلِصُ لدينه ووطنه، الصالحُ في نفسه، والمُصلِحُ لغيره، فيأمرُ بالصلاح، وينهى عن الفساد، ويُحافِظُ على مُكتسَبات البلاد، ويجعل من نفسه، مرآةً لجهات الرقابة والنزاهة، فمن لم يرهبه وعيد القرآن ردعته درة السلطان، والله يَزَعُ بالسلطانِ، ما لا يَزَعُ بالقرآنِ، وشريعتنا المباركة، قد جعلت من الرَّقابة، مسؤوليَّةً يتحمَّلُها الفردُ كما تتحمَّلُها الجماعة قال تعالى ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)).
وختم إمام وخطيب المسجد الحرام خطبته بالقول : الواجب علينا معاشر المؤمنين أن نتعاون مع أجهزة الدولة، المعنية بالرقابة والنزاهة، وإنا لنحمدُ الله عز وجل، في هذه البلاد المُبارَكة أن أصبحت المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، مثالا رائدا يحتذى به، في محاربة الفساد بكل صوره وأشكاله، فكونوا أيها الْمُؤمنون، يدًا واحدةً مع وُلاة أَمركم، لنهضة وطنكم، وعلو شأنكم، ولتفلحوا في دينكم ودنياكم، ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتقوى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.