على الرغم من التطورات التي شهدتها سوق المال بالمملكة والأنظمة التي أصدرتها هيئة سوق المال خلال السنوات الماضية، والأهداف الاستراتيجية التي رسمتها رؤية المملكة للاقتصاد السعودي، إلا أن ممارسة الاكتتابات التي تطرح هذه الأيام تحمل الكثير من أخطاء الماضي دون التعلم أو الاستفادة من تجارب الماضي الذي يربو على ثلاثة عقود. والمتابع لما يُطرح اليوم من اكتتابات يعتقد أن هيئة سوق المال والجهات الأخرى المسؤولة عن الموافقة على الطرح تمارس هذا العمل لأول مرة! والأمر لا يحتاج إلى خبير مالي أو مراجع متمرس حتى يكتشف من المعلومات المعلنة عن الشركات المطروحة بعض جوانب القصور والاخفاقات مثل: نمو رأسمال بعض الشركات المطروحة للاكتتاب العام بدرجة غير منطقية وخلال فترة وجيزة، فمثلاً يبدأ عمل الشركة برأسمال يبلغ عشرين مليون ريال، ثم يرتفع بعد سنة أو سنتين إلى 100 مليون وبعد ثلاث أو أربع سنوات يتضاعف رأس المال إلى 200 مليون ريال، ثم يرفع مرة أخرى إلى 400 مليون ريال. وبعد ذلك يُطرح 30 في المئة من أسهمها، أي أن ما يُطرح يعادل ضعف سعر الشركة الحقيقي! يحدث ذلك بناء على تقييم غير واقعي للشركة، الأمر الذي يستدعي نظر الجهات المسؤولة عن النزاهة في ممارسة المراجعين الذين قاموا بتقدير قيمة الشركة! تُطرح بعض الشركات الصغيرة التي لا تضيف الكثير للاقتصاد الوطني، فهي عبارة عن مجموعة مطابخ للولائم أو مطاعم دون فروع كثيرة وأصول كثيرة أو تُطرح شركات إعلانات لا توجد لها أصول كبيرة! تقليص النسب المخصصة للأفراد إلى 10 % من النسبة المطروحة للاكتتاب و90 في المئة للمؤسسات دون أي مبرر، مع مباركة هيئة سوق المال! وهذا يتعارض مع الهدف الرئيس لطرح الاكتتابات العامة المتمثل في إشراك المستثمرين من الأفراد، بما يعود بالنفع للمجتمع! تغطية الاكتتابات تثير الانتباه، بل الدهشة والاستغراب! ويحدث ذلك لأن البنوك تقوم بتغطية اكتتاب المؤسسات وبعض الأفراد دون مطالبة العميل بدفع مبالغ الاكتتاب، أي تأجيل الدفع لحين تخصيص الأسهم، بمعنى آخر لا يقوم العميل بدفع قيمة الاكتتاب إلا بعد التخصيص. فعلى سبيل المثال، بلغت الأموال المجمعة من اكتتاب المؤسسات في شركة "أكواباور" نحو 1127 مليار ريال! وتمت تغطية اكتتاب الشركات في شركة "سلوشن" 9557 في المئة، أي أضعافاً مضاعفة! عدم قراءة المستثمرين من الأفراد نشرة الاكتتاب وما تحتويه من مخاطر، وذلك ثقة في الجهات المالية الرقابية. وأخيراً هناك من يُحمل الأفراد المستثمرين مسؤولة الاكتتاب في شركات رؤوس أموالها مضخمة وأداؤها ضعيف! ولكن الأمر في الحقيقة ليس بهذه البساطة! فالأفراد لديهم ثقة كبيرة بالمؤسسات المالية المسؤولة عن منح الموافقة على الطرح، وبالتالي يعتقدون - وهذا ما ينبغي - أن الجهات المسؤولة لن تسمح بطرح شركة للاكتتاب، ودخول سوق المال إلا بعد تقييمها بعدالة ودقة والتأكد من أدائها مع مراجعة تاريخ نمو رأسمالها. على هذا الأساس يتدافع المواطنون للاكتتاب طمعاً في الحصول على مكاسب ولو قليلة، أليس معهم الحق في الثقة بالمؤسسات المالية المسؤولة عن ترخيص الطرح الأولي؟!