الموسيقى علم يدرس أصول ومبادئ النغم من حيث التوافق أو الاختلاف. وأيضا هي صناعة يبحث فيها عن تنظيم الأنغام والعلاقات فيما بينها وعن الإيقاعات وأوزانها «هكذا قرأت». وقفت أتأمل عزف الموهبتين السعوديتين في العزف الموسيقي بشكله الجديد (داليدا الخالد وراكان آل ساعد) على آلة «البيانو والعود»، وأخذت أستمع لمقطوعاتهم الموسيقية المتناسقة بإبهار، مستمتعا كغيري ممن لفتت الأنظار إليهما وهما يعزفان بإتقان في موسم الرياض، ويبدو أنه بشكل مختلف بعيدا عن الصخب الموسيقي الشائع الذي اعتاد عليه الشباب في وقتنا الحالي.. مقطوعات الثنائي تجعلك تسرح بخيالك لآفاق الإمتاع والتذوق اللحني الجميل. حتى بت أتسائل في نفسي كيف تبدل الحال عن السابق بهذه السرعة، وأصبحنا نستمتع ونتذوق صنوف الموسيقى الغربية الممزوجة بالآلة الشرقية الرئيسة «آلة العود». في حين كانت الثقافة الموسيقية في المملكة تنحصر فقط في الآلات الشرقية أو ما تعرف «بالتخت الشرقي»، ولم تكن هناك ثقافة التعرف على آلة البيانو إلا من قلة محصورة في الطبقة المخملية أو البروجوازية لأنهم على اختلاط بالثقافات الأوروبية عند أسفارهم، كانت هذه الآلة أعني «البيانو» توضع في ردهات الفنادق رمز للأناقة والديكور فقط ولم يكن لها شعبية في وسطنا إطلاقاً، حتى لدى جيراننا وأشقائنا العرب ولا أدل حينما ظهر مسرح الاستعراض لآلة العود كان يرافقه «الجيتار»، كما يفعل العازف الشهير «نصير شمة». لكن الآن أتى وقت التغيير عندنا وأصبحنا نشاهد العود يتحاور مع البيانو بعزف ماتع من أبنائنا السعوديين. هنا تتأكد مقولة معالي المستشار تركي آل الشيخ، حينما يردد دائما «تخيل أكثر» في فعاليات موسم الرياض الحالي في نسخته الثانية، لأننا بالفعل نقف كل يوم على شيء جديد لم نكن متعودين عليه تماما. وجميل أن نرى هذه النماذج المبدعة وفي هذه السن المبكرة تقدم وبثقة واعتزاز هذا المكون الموسيقي والاندماج اللحني بالتوليفات العصرية. ولا غرابة تألق هذا الثنائي السعودي، حينما نعلم بأن كليهما وجدا الدعم والتشجيع المبكر من الأسرة (الحاضنة الأولى)، فهما السند الحقيقي بطبيعة الحال في رعاية أبنائهم منذ ولادتهم حتى تتفجر وتتفتق الموهبة لديهم والمتابعة والتوجيه السليم بكل رقي نحو صقل هذه الموهبة إلى أن تصل إلى التثقيف الأكاديمي، الذي له طريقه وموقعه. وهنا يجب أن نذكر دور المراكز الأكاديمية التي انتشرت في المملكة، بفضل الرعاية الحكومية التي وفرت هذه الجهات ذات الصلة لتعليم وتدريب النشء حسب الاختصاص.. كما يقوم به معهد ثقف الذي يتولى القيام بهذا الدور على أكمل وجه من خلال التعليم والتدريب الممنهج وعلى أسس علمية دقيقة بأسلوب وطريقة حضارية وراقية يتخرج منها عازفون مثقفون يكونون محط أنظار إعجاب الكثيرين، ولتصدير ثقافة موسيقية وطنية للعالم، لنقف في مصاف طابور الإبداع الموسيقي المعاصر.