يعد الإيثار، وهو السلوك الأخلاقي الذي يقدمه الفرد لغيره على نفسه، صفة الحميدة دعا إليها ديننا الإسلام، وهو من أوائل مَن يحثنا ويشجعنا أن نسلك ذلك الخلق، وجعل لفاعله عظيم الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، وبين درجات الإيثار حتى يعلم المرء أين يقف من هذا الخلق الجميل لصاحبه؟ فالإيثار من صفات الأخلاق السامية، التي تجعل من المرء أشبه بمن يؤثر لغيره على نفسه، وهو من دون أدنى شك أشبه بالشمعة التي تحترق لتضيء لغيره، والغيمة الناصعة البياض والنور التي تمطر على بالخير، ولا تنتظر من غيرها جزاءً ولا شكوراً، وهي من دأبت أن تمطر عليهم أينما كانت وحلت، فيستبشر الناس بقدومها ويحزنون على فراقها، كذلك هم بعض البشر، فتجد منهم من يكون على ذلك التشبيه. وإذا كان الإيثار صفة لبعض من البشر ممن اتصفوا بها، وتربوا عليها من خلال اتباعهم للمنهج الأخلاقي الرفيع، فهم بذلك يعطون دروساً في الحياة عن مكارم أخلاقهم، واتصفوا بها وتوشحوها وتربوا عليها من خلال اتباعهم للمنهج الإسلامي، الذي نشأ الفرد منهم عليه. وبالعودة إلى سوابق الأقلام وبعض ما ذكر عن الإيثار، نجد فيها مثلاً «ليس الجود أن تعطيني ما أنا أشد منك حاجة إليه، وإنما الجود أن تعطيني ما أنت أشد إليه حاجة مني». ومن هنا يوضح معنى الإيثار على وجهه الصحيح الذي لا بدّ لكل مسلم من ترويض نفسه عليه، ولحاجة المجتمع إلى تلكم الصفة والخلق بعد أن أصبح أنانيًّاً لا يسأل إلا عن نفسه، وكيف يرضيها؟ وكيف تثني عليه ذاته؟ وما أجمله من سلوك ومنظر لذلكم الشاب الذي تنحى عن كرسيه في حافلة نقل حتى يجلس ذلك الرجل المسن الذي اشتعل رأسه شيبًا. إن فضل الإيثار عظيم، فهو يقوي الروابط الاجتماعية ويزرع المحبة في نفوس الناس، حتى يظن أحدهم أنه أحب إلى الآخر من نفسه. وقفة.. قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].