حذر وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان مؤتمر الأممالمتحدة للتغير المناخي "كوب 26"، في غلاسكو، من "التحيز تجاه مصدر من مصادر الطاقة دون الآخر"، في خضم الجهود العالمية للتصدي للتغير المناخي، مكرراً سموه "دون التحيز"، في إشارة إلى أن هناك تحيز بتركيز المؤتمر على التخلص من الوقود الأحفوري، مثل النفط، من دون التقيد باتفاقية باريس التي ترتكز على ثلاثة محاور رئيسة وهي التمويل والتكيف والتخفيف، والتي التزم بها العالم ويعمل بموجبها، بينما تشطح أجندات مؤتمر المناخ بعيداً عن اتفاقية باريس، معلنة حربها على النفط باعتباره المتسبب بالتغير المناخي، وبينما تلزم اتفاقية باريس ب"التخفيف" لكافة الانبعاثات من الصناعة والطاقة وغيرها وما يتطلبه من تطوير واكتشاف للنظم البيئية، تجد أجندة المناخ تطالب ببساطة بوقف وإلغاء كل ما يتعلق بالنفط، معرضين بذلك أمن الطاقة العالمي لكوارث وأزمات عندما تندر إمدادات الطاقة والوقود لتتعطل مشروعات التنمية الاقتصادية التي يعيشها العالم. ورسالة المملكة واضحة وصريحة للعالم حملها وزير الطاقة مدوياً بها في مؤتمر المناخ،حيث قال: "إن الطابع العالمي لتغيُّر المناخ يتطلَّب استجابة دولية مشتركة وفاعلة، ونجاح هذه الاستجابة يكمن في تحقيق ثلاث ركائز أساسية، أولها أمن الطاقة، وثانيها التنمية الاقتصادية التي تكفل رفاهية الشعوب، وثالثها التصدي لتحديات التغير المناخي". وقال سموه: "يجب أن تُراعى هذه الركائز جميعها معًا، دون إخلال بواحدة من أجل أخرى، مع أهمية الإقرار بتعدد الحلول لمعالجة مشكلة التغير المناخي من خلال التركيز على الانبعاثات كما وردت في اتفاقية باريس، ودون التحيز تجاه مصدر من مصادر الطاقة دون الآخر". ونبه سموه بالقول: "وتؤكد المملكة أنه يجب علينا جميعاً أن نوحد جهودنا لتطبيق الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ واتفاقية باريس، وأن نأخذ بالاعتبار مبدأ المسؤولية المشتركة والمتباينة في الوقت ذاته بين الدول والظروف الخاصة التي تواجهها الدول الأقل نمواً، وأن نعمل جميعاً على دعمها لمواجهة الآثار السلبية الناجمة عن السياسات المتعلقة بالتغير المناخي دون تعطيل تنميتها المستدامة". وتطرق سموه في كلمة المملكة، التي ألقاها في مؤتمر الأطراف السادس والعشرين لاتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "كوب 26"، الذي عقد في غلاسكو في المملكة المتحدة، خلال الفترة من 31 أكتوبر إلى 12 نوفمبر 2021م، لمبادرات المملكة في مجال المناخ، حيث أطلقت المملكة مؤخراً مبادرتين: السعودية الخضراء، والشرق الأوسط الأخضر، اللتين تهدفان إلى خفض الانبعاثات الكربونية في منطقة الشرق الأوسط بنسبة تزيد على 10 % من مجمل الإسهامات العالمية الحالية. مبيناً سموه بقوله: "إدراكاً منها لأهمية رفع سقف الطموح المأمول لمواجهة التحديات البيئية المرتبطة بالتغير المناخي، فقد رفعت مستوى إسهاماتها المحددة وطنياً، وذلك بتخفيض الانبعاثات بمقدار (278) مليون طن بشكل سنوي، بحلول عام 2030، كما أعلنت استهدافها للوصول للحياد الصفري في عام (2060) من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وبما يتوافق مع خطط المملكة التنموية، وتمكين تنوعها الاقتصادي، وبما يتماشى مع "خط الأساس المتحرك"، ويحفظ دورها الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، وفي ظل تطوير وتطبيق التقنيات اللازمة لإدارة وتخفيض الانبعاثات". كما أعلنت المملكة عن رغبتها في الانضمام إلى التعهد العالمي بشأن الميثان الذي يستهدف تخفيض الانبعاثات العالمية للميثان بمقدار 30 % عن مستويات 2020. ولتحقيق هذه المستهدفات الطموحة تم الإعلان عن تفاصيل أكثر من 53 مبادرة تبنتها المملكة يفوق حجم استثماراتها بنحو 185 مليار دولار، منها الوصول بالطاقة المتجددة بحصة 50 % من الطاقة الإنتاجية لمزيج الكهرباء، ومبادرة البرنامج السعودي لكفاءة الطاقة، وبناء واحد من أكبر مراكز إنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، في مدينة نيوم، حيث تطمح المملكة لإنتاج أربعة ملايين طن سنوياً من الهيدروجين الأخضر والأزرق، وبناء أكبر مجمع لاحتجاز واستخدام وتخزين الكربون بطاقة تصل إلى 44 مليون طن، بحلول 2030. بالإضافة إلى إنشاء صندوق للاستثمار في تقنيات الاقتصاد الدائري الكربوني في دول الشرق الأوسط وإفريقيا والدول النامية، وإطلاق مبادرة عالمية تسهم في تقديم حلول للوقود النظيف لتوفير الغذاء لأكثر من 750 مليون شخص في العالم ويبلغ إجمالي الاستثمار في هاتين المبادرتين ما يقارب 11 مليار دولار، وستسهم المملكة بتمويل قرابة 15 % منها، وستعمل المملكة مع الدول وصناديق التنمية الإقليمية والدولية لبحث سبل تمويل وتنفيذ هذه المبادرات. وفي قراءة أعمق لرسالة المملكة حول أزمة المناخ قد لمح إليها وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في مؤتمر أوبك+ الأخير بقوله: "في عام 1979 أنتم يا مجموعة السبع من وضعتم خطة الانتقال من النفط إلى الفحم وأوقفتم استخدام النفط في توليد الكهرباء، لهذا السبب نحن غير قادرين على مساعدتكم في قطاع الكهرباء اليوم وفي أزمة الطاقة الشتوية". وهنا دروس ورسائل عميقة المغزى، مفادها من كان يطالب بوقف الاستثمار في صناعة النفط منذ عقود، بلا حس دولي مشترك، وما نتج عنه من تقلص للمصافي وشح الوقود، ونشوء أزمة الطاقة اليوم، تجدهم الآن يرجون في معترك نفاذ وقودهم والتهاب الأسعار، المزيد من النفط، باستكانة، بعد أن تعطل النقل في أوروبا وأميركا لا سيما في أكتوبر الماضي، والعالم في ذهول لنفاذ البنزين في أوروبا وأميركا وحتى مخزوناتهما. لتلجأ كبرى الدول في أوقات يدونها التاريخ للسحب من الاحتياطي الاستراتيجي البترولي لبلدانهم، لسرعة خفض الأسعار، في وقت يؤدي تناقص الاحتياطي الاستراتيجي لارتفاع أسعار النفط، في ربكة مرتقبة لسوق الطاقة وهي خطوة اعتبرها معظم المتابعون بالجريئة ذات النتائج العكسية، مشيرين إلى أن تعطل مشروعات التنمية العالمية والتي تعتبرها المملكة إحدى ركائزها الثلاثة في سياسة الطاقة السعودية والتي أوضحها الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وهي: أولاً تحقيق أمن الطاقة، وثانياً تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وثالثاً تحدي التغير المناخي بالعمل الجماعي الدولي المشترك. فمن عطل التنمية الاقتصادية العالمية بسبب محاربة النفط وتضييق مشروعاته مما قلص المصافي العالمية وقلة المنتجات البترولية وأهمها وقود المحركات من البنزين الذي أشعل فتيل الأزمة في أميركا وأوروبا بشح إمداداته وتطاير أسعاره، ما ألهب أسواق الطاقة بارتفاعات قياسية للغاز والفحم، ما نتج عنه التحول لسوائل النفط لتوليد الكهرباء، ما حلّق بأسعار براميل النفط فوق 80 دولاراً للبرميل اليوم. وقال سموه في مؤتمر أوبك+: "والحقيقة هي أن هذا هو الانقسام الكبير بين المحادثات التي جرت في قمة المناخ حول الالتزام بتحويل الطاقة إلى صافي الصفر، والابتعاد عن الوقود الأحفوري مثل النفط، ومن ثم بالطبع، الأمر المهم هو حقيقة أن العديد من الأشخاص، وفي الواقع العالم بأسره لا يزال يعتمد على استخدام النفط لاحتياجات الطاقة". منبهاً سموه بأن "هذا مؤشر كبير على أزمة الطاقة التي تحدث حالياً في أوروبا والولايات المتحدة أيضاً، والحقيقة هي أنه لا يمكنك فقط إيقاف صنابير النفط لأنه يجب أن يكون هناك انتقال، بينما هناك العديد من هذه البلدان المنتجة تعرضت لضربة شديدة خلال ذروة وباء كوفيد 19، حيث انخفضت أسعار النفط إلى ما دون الصفر، فيما تحاول بعض البلدان الاستفادة من تدفقات الإيرادات الحالية في هذه الصناعة التي من الواضح أنها ستنتهي في العقدين المقبلين إذا كانت أجندة المناخ شيئاً تقوم به الدول، فهي في الواقع تلتزم به". فيما أوجز سموه الطرح بأن اتفاقية باريس للمناخ تتيح لنا استخدام أساس متحرك يمكننا، بناء على نضوج التقنيات اللازمة، وعلى غير ذلك من الظروف، من تحقيق الحياد الصفري قبل 2060م أو بعده، وذلك من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون. موضحاً سموه بأن "التزامنا بتاريخ محدد للوصول إلى الحياد الصفري، لا يشترط الدعم المادي أو التمويل كالآخرين، بل كل ما نطلبه هو التعاون في تطوير تقنيات تخفيف الانبعاثات". مبرراً سموه "وما نرغب فيه هو أمر يسير: أن يكون تركيز العالم هو تخفيض انبعاثات جميع غازات الاحتباس الحراري من جميع القطاعات دون إخلال بنمو الاقتصادات المختلفة".