الأديب حمد القاضي.. انطلق من مدينة عنيزة، وذهب إلى مدينة الرياض.. حاملاً في أعماقه ثقافة وفكراً وعطاءً، نثرها في كل الاتجاهات، فكانت رحلته طويلة مع الحرف والكلمة.. وقد أثمرت بالنجاح والتألق.. حصد من خلالها العديد من الجوائز المشرفة، ولا يزال يواصل مسيرته الثقافية والإعلامية ونشاطاته الأدبية، عن هذه المسيرة الإبداعية كان ل«الرياض» هذا الحوار معه. * في البدء حدثنا عن دخولك عالم الكلمة والأدب. * منذُ أحسست بالحياة وشعرت أن لديّ شيئاً أريد أن أقوله للناس، وكانت بداية كتاباتي حروفاً رومانسية فيها ظمأ للحنان ربما بسبب فقدي والدتي، أما أول مقال نشرته فهو مقال ذو فكرة بسيطة عنوانه: «النجاح وليد العمل والكفاح» خلال دراستي بالمرحلة الثانوية. * برأيك كيف يبني المثقف علاقته مع الحرف؟ * بالقراءة الواعية للعطاء الراقي أسلوباً ومعنى. * نلحظ في كتاباتك حرصك على الحفاظ على قيم مجتمعنا، برأيك ما أهم «قيمة» افتقدناها؟ * نحن لم نفتقد فقداناً كاملاً القيم التي تنشر المودة بيننا. لكن بحكم إيقاع العصر المادي أخذ الكثير منا بالتماهي معها ووضعها في مربع الأولوية، وصارت أحياناً بالمرتبة الثانية كالوفاء والتسامح وصلة الرحم.. إلخ. * بما تصف تجربتك برئاسة «المجلة العربية»؟ * كانت رئاستي للمجلة العربية تجربة ثرية بالنسبة لي، وهي آخر حبّ لي في عالم الصحافة، وقد حرصت فيها مع زملائي على خدمة وطني عبر بلورة ثقافته وتعريف الآخر بها فضلاً عن الاحتفاء بعطاءات مثقفي ومثقفات الوطن ونشرها، ولا أستطيع الحكم عليها، فالآخرون المتلقون لها هم من يملكون الحكم عليها. * ماذا تذكر من برنامجك التلفزيوني الثقافي «رحلة الكلمة»؟ * أتذكر مواقف ووقفات وذكريات كثيرة مع رموز ثقافية وطنية فيها الصعب والمحرج وفيها الطريف والمشجي وهم الذين وظفوا حروفهم وطرحوا رؤى تنويرية بالصحف والمجلات والكتب كانت تصب بنماء الوطن تعليماً وصحةً وعمراناً وصناعة وخطاباً توعوياً فضلاً عن دور بعضهم النابه بإنشاء الصحف التي كانت مشاعل التنوير الأولى. * حدثنا عن أبرز المواقف مع الأشخاص الذين أثروا في مسيرتك الثقافية؟ * أشخاص كثيرون في مقدمتهم: معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ في ثراء قلبه بالحُبّ، وفي حرصه المتناهي في خدمة الناس، خالي المربي «عبدالرحمن صالح العليان» بعصاميته وحسن تعامله، وعلاقاته الواسعة مع الآخرين، معالي د. عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- في جديته وتواضعه والسلام الذي يعيشه بداخله ثم إدارته لوقته. * لماذا وصفت كتابك «مرافئ على ضفاف الكلمة» أنه أغلى كتبك؟ * لأنه يمثلني إنساناً وكاتباً، وقد انسابت حروفه ما بين فضاءات الوطن والحب والثقافة، ولأنني أهديته لأغلى الناس أمي -رحمها الله-، ولأن من كتب مقدمته بخط يده دون طلب منّي د. غازي القصيبي -رحمه الله-. * ماذا يريحك في عالم «تويتر»، وماذا يضايقك منه، وما رسالتك التي حملتها؟ * وجودي في تويتر جعلني أصل لكل الشرائح بمقالاتي ولقاءاتي وتغريداتي، وأستفيد وأضيف لثقافتي، وأنا أحرص على متابعة كل ذي طرح جيّد يتناغم عطاؤه مع اهتماماتي سواء كان تغريداً أدبياً أو تأملياً أو رومانسياً أو اجتماعياً.. إلخ. o ما الذي حفزك لتأليف كتابك «قراءة بجوانب الراحل غازي القصيبي»؟ * ثلاثة أسباب كانت خلف تأليف كتابي عنه: أولاً رغبة عدد من محبي الفقيد توثيق إنسانياته في كتاب لبلورة أن مشاغله لم تصرفه عن استحقاقات إنسانيته -رحمه الله-، ثانياً الناس عرفوا د. غازي وزيراً وسفيراً وأديباً واقتصادياً وسياسياً إلى آخر صفاته ولكن قليلاً عرفوه «إنساناً» تفيض دمعته ويسخّر الكثير من جاهه ووقته لمؤازرة محتاج وإغاثة ملهوف، ثالثاً أن غازي القصيبي أفضى لخالقه وبقدر ما سيبقى ذكره عاطراً بمنجزاته الإدارية والأدبية فهو أحوج ما يكون الآن لدعوة صادقة وهذه أكثر ما يحفِّز له تذكر أعماله الإنسانية. * ماذا تقول عن مجلس الشورى لدينا بحكم عضويتك لثلاث دورات سابقة؟ * الشورى بوطننا منهج رباني لا خيار لنا فيه، ومن خلقنا أدرى بما يصلح حياتنا، وكل أمّة تختار النهج الذي يوصلها إلى أهدافها، ونحن اخترنا النهج الذي يخدم بلادنا، باعتدال وتدرج وهو ينطلق من ثوابتنا ونعتقد أنه يحقق أهدافنا.. ولا ننازع الدول الأخرى في خياراتهم في أي نهج وأي شكل برلماني اختاروه. وعضو الشورى يمثل وطنه فهو لم يأت عن طريق حزب يجامله أو تيار يناصره.. كما أن عضو الشورى حرّ في إبداء الرأي فلديه زر التصويت بالموافقة أو عدمها ولا يراعي إلا ربه ثم من أولوه الثقة ومصلحة وطنه وأبناء وطنه. * بصفتك عضو ونائب رئيس الهيئة الإشرافية على كرسي غازي القصيبي ما الجديد عن هذه الجائزة؟ ومتى سيتم إعلان الفائزين بها؟ * هذه الجائزة منبثقة من كرسي غازي القصيبي للدراسات التنموية والثقافية -رحمه الله-، ومنذ تدشينها بدأت أمانتها تتلقى الترشّح من الأفراد والمؤسسات عبر منصة الجائزة، وبعدها تأتي مرحلة التحكيم والاختيار حسب شروط الجائزة، ثم تأتي مرحلة إعلان الفائزين بحفل يليق بها، وقد انطلقت الهيئة الإشرافية على الكرسي عند إقرار الجائزة من الفضاءات الوطنية التي نذر الراحل سنوات عمره لها بسبيل خدمة دينه ووطنه ومجتمعه، وذلك عبر ثلاثة مسارات: الإداري التنموي، الأدبي الثقافي، التطوعي الاجتماعي.. ومن أهم أهدافها التحفيز على العطاء الوطني: الثقافي والمجتمعي وإثراء هذه الجوانب الثلاثة والإضافة عليها، وهي محفزة ليس لقيمتها المادية ولكن لأن كلّ من يفوز بها سيفخر أنه يحمل جائزة تحمل اسم هذا الرمز الوطني: مسؤولاً وإنساناً ومثقفاً. * ما الموقف الصحفي المحرج الذي حدث لك خلال مسيرتك الصحافية؟ * أذكر موقفاً لطيفاً أكثر من كونه محرجاً: كتبت ذات مرة حين كان معالي أ. عبدالله النعيم أميناً لمدينة الرياض وفي نهاية المقال قلت: «إنني أوجه كلماتي إلى معالي أ. النعيم»، ولكن حصل خطأ مطبعي فصارت «لكماتي» بدل «كلماتي»! وقال لي الشيخ النعيم حين التقيته عشية نشر المقال: «ما شاء الله أصبحت ملاكم يا حمد»..!. * أنت قارئ ومتذوق للشّعر ما البيت الذي يتراءى بين عينيك وأنت تجيب على هذه الأسئلة؟ * هو بيت من الشّعر المشع بالفأل وإشراع بوابات الأمل: سيفتح الله باباً كنتَ تحسبه من شدّة اليأس لم يُخلق بمفتاح * كناشط وكاتب بالشأن الاجتماعي بماذا تعزو كثرة الخلافات بين الناس؟ * أغلبها يكون إما بسبب أطماع ومطامح الدنيا أو التنافس على الكراسي أو عدم صفاء بعض القلوب! * ما أغلى كتاب في مكتبك؟ * الكُتب الغالية في مكتبتي كثيرة لكن من أغلاها وأوفرها تنوعاً ثقافياً وعلمياً كتاب «الشرف الوافي» إهداء من معالي د. عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله-، وهو كتاب عجيب يحوي خمسة علوم: علم الفقه، العروض، التاريخ، النحو، القوافي، لأبي بكري المقري، وحتى إخراجه وترتيبه فريدان وغريبان فإن قرأته حسب السطور كان فقهاً وإن عامودياً فعروض.. إلخ. * ماذا بقي في ذاكرتك عن مدينتك عنيزة التي نشأت فيها والتي سماها الكاتب المعروف أ. عبدالله السعدون «جارة الوادي»؟ * بقيت كلها، فذكرياتها تستوطن وجداني بكل أوراق خريفها، وبكل إيراق رحيقها. * كيف بنيت علاقتك مع الناس حتى بقيت قوية ثابتة؟ * بإقامة جسر المحبة معهم. مقتفياً ذلك الخطاب الذي نقشه الأديب الراحل عبدالعزيز الرفاعي -رحمه الله- بآخر قصيدة له: «طوبى لمن جعل المحبة جدولا فسقى أحبته فطاب وطابوا» * ما رسالتك التي حملتها وأنت تدخل عالم تويتر؟ * حددت رسالتي منذ دخولي إليه بأن يكون تغريدي نغماً يبث المحبة لا لغماً ينبت الكراهية، وجعلت هذا المبدأ بمعرّفي «البايو». وحرصت بتغريداتي على التنوع سعياً لما يروق ويضيف لثقافة المتابعين، والمحتوى ما بين الروحي والاجتماعي والمدار الأدبي والفضاء التأملي والتحليق الوجداني وأحياناً يكون ذا طرح أحاول أن أرحل فيه من جدل وصخب المجلس التويتري لتغريدات ذات مضمون طريف أو شعر عذب. * بماذا تودع قارئ هذا الحوار؟ * أنيب ذلك إلى الذي قال: «وقفةٌ للوداع عندي سلام وحديث وذكرياتٌ وعهد» القاضي خلال حديثه مع الزميل بكر هذال د. غازي القصيبي د. عبدالعزيز الخويطر الشيخ حسن آل الشيخ أول مقال نشره القاضي