أطلقت هيئة تطوير بوابة الدرعية في الأشهر الماضية عدداً من المشروعات التي تندرج تحت برنامج ضخم وهو (التاريخ الشفوي في الدرعية) الذي يعتمد على الروايات الشفوية لأهالي الدرعية من شاهدي العيان ومعاصريهم في كثير من التفاصيل التي غفلت عنها المصادر المكتوبة، وقد حقق البرنامج أرقاماً كبيرة وكان له صدى لدى كل المهتمين بهذا الشأن التوثيقي عبر عدة مسارات بحثية للمشروعات، منها «مشروع توثيق الدرعية التاريخية» الذي يشمل توثيق الدرعية بشكل عام وفي المجال التاريخي على وجه الخصوص، و»مشروع توثيق الأحياء التاريخية» الذي يركز على الأحياء التاريخية وأدوارها في الماضي وحدودها وسكانها وقصص كل حي، مثل: حي غصيبة وسمحان والطريف وغيرها، و»مشروع توثيق العرضة السعودية» على اعتبار أن الدرعية هي منبع هذا الفن الأدائي، وهدف المشروع رصد أدوار العرضة من خلال المجتمع المحلي وتدوين جميع التفاصيل الدقيقة المحيطة بهذا التراث غير المادي، وأخيراً المشروع الذي يقام لأول مرة في تاريخ المملكة العربية السعودية وهو «مشروع تاريخ المرأة في الدرعية» الذي يعتمد على مرويات نساء الدرعية ومشاهداتهن في الحياة العامة لمجتمع الدرعية، واستنطاق أدوار المرأة وإسهاماتها التاريخية والمجتمعية جنباً إلى جنب مع الرجل. وقد أكملت الهيئة خلال تلك المسارات 200 ساعة توثيقية مرئية ومسموعة، وكثيرٌ من زملائنا يتساءلون ما أهمية التاريخ الشفوي؟ وما دوره في المحتوى؟ والجواب بكل بساطة أن الروايات الشفوية التي يرويها المهتمون ويحكوا قصة الحدث وتاريخه تسهم في معالجة مواضع متعدّدة من ضعف المحتوى أو نقصه الذي قد يوجد في المصادر والمراجع التاريخية، مع مراعاة أن يكون الفريق المكلف على قدر كبير من المهارة والقدرة على التحليل والمقارنة وصياغة الأسئلة بما يناسب ظروف المشاركين، سواء كانوا من كبار السن أو من المختصين، مع البراعة في استخراج المعلومات من خلال استجواب تاريخي مدروس بعناية شديدة وفق خطوات علمية محددة، وتأتي بعد ذلك مرحلة المقارنة بالمصادر التاريخية الأخرى، إضافة إلى مقارنة تلك المرويات بعضها ببعض، وتمييز المتفق منها والمختلف، وإخضاعها للنقد والتحليل والتفسير، وأخيراً تأتي مرحلة المنتجات التي نأمل أن تكون إضاءات منيرة في جوانب بقيت معتمة لسنوات بسبب سكوت كثير من المصادر عن تناولها، اعتقاداً لعدم أهميتها، أو انشغالاً عنها بتدوين أحداث أخرى، فكادت تكون عرضة للضياع. بطبيعة الحال؛ فإن برامج التاريخ الشفوي للدرعية ستكون إضافة إيجابية إذا مرّت بتلك المراحل العلمية المشار إليها، وسوف تثري محتوى الأصول التراثية المزمع إنشاؤه في مشروع بوابة الدرعية لمعالجة الثغرات وسدّها في كثير من التفاصيل التاريخية، وحفظ مخرجاتها كأوعية للمعلومات ومادة خام في المكتبة لتكون في متناول المختصين والباحثين؛ لذلك هي بحق استثمار معرفي بعيد المدى.