قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ د. عبدالله بن عواد الجهني: إنَّ مما يجب على الإنسان في هذه الحياة الدنيا من الحقوق، حقان عظيمان أساسيان لا ينفكان عنه طول حياته وحتى بعد مماته، وهما من باب مقابلة الإحسان بالإحسان، والمعروف بالمعروف، فالحق الأول هو حق خالقه ورازقه ومولاه، فقد أوجده من العدم، وخلقه فأحسن خلقه، وسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، فوجب على العبد حينئذ توحيد الخالق بالعبادة دون ما سواه، والإيمان به وبرسله عليهم الصلاة والسلام، والحق الثاني حق الوالدين، فغير خاف على العاقل بعد لزوم حق المنعم عليه لزوم حق الوالدين عليه أيضًا، قال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحساناً)، فقد أمر سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين وهو البر بهما. وأضاف في خطبة الجمعة التي بالمسجد الحرام في مكةالمكرمة: رجحت السنة المطهرة تقديم كفة الأمِّ في البر، ففي الحديث الصحيح "من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: أُمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أُمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال ثم أبوك" رواه البخاري ومسلم، فقد حملت الأم بحمله أثقالاً كثيرة، ولقيت وقت وضعه مزعجات مثيرة، وبالغت في تربيته، وسهرت في رعايته، وأعرضت عن جميع شهواتها لمداراته، وقدمته على نفسها في كل حال، تفرح لفرحه، وتتألم لألمه وحزنه، وإذا مرض مرضت معه، وإذا صار في دور العلم فكأنها هي التي تتعلم، وإذا اختبر فكأنها هي التي تختبر، وهكذا حتى يتم، كل هذا يقع للأم، فهي المقدمة في حسن المعاشرة، وفي حسن الصحبة والمخالطة، فللأم ثلاثة أضعاف ما للأب. وأبان الشيخ د. الجهني، أن ضم الوالد إلى البر والإحسان إلى تسببه في إيجاده، ومحبته بعد وجوده وشفقته وتربيته الكسبَ له والإنفاق عليه، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد"، رواه ابن حبان في صحيحه، وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فاحفظ ذلك الباب أو دعه"، أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد واللفظ له، والعاقل يعرف حق المحسن ويجتهد في مكافأته، وجهل الإنسان بحق المنعم من أخس صفاته لا سيما إذا أضاف إلى جحد الحق المقابلة بسوء الأدب، دل على خبث الطبع، ولؤم الوضع، وسوء المنقلب. وأوضح أن البار بوالديه مهما بالغ في برهما لم يف بشكرهما، قال رجل للصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: حملت أمي على رقبتي من خراسان حتى قضيت بها المناسك، أتراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بطلقة من طلقاتها. وليحذر المسلم من عقوق الوالدين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ"، قيلَ: مَنْ؟ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: "مَن أدْرَكَ أبَوَيْهِ عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ". مردفاً: إن عقوق الوالدين من صفات اللئام، ودليل الخسة والرذالة، والعاق بوالديه بعيد من الله، وبعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار.