اتخذت الحكومة السعودية خطوات جادة لتحسين أداء الميزانية العامة من خلال ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتنويع إيراداتها المالية غير النفطية، من أجل تحويل عجز الميزانية إلى فائض، وتوازن مالي بحلول 2023، وهو ما تستهدفه رؤية المملكة 2030. وترشيد الإنفاق لا يعني أبداً إنفاقاً أقل على البنية التحتية أو مشروعاتها بل يعني ترتيب الأولويات حسب أهميتها وجدولتها الزمنية، كما أن رفع كفاءة الإنفاق لا يعني تقليص المخرجات بل تعظيم المخرجات أو الخدمات عند الإنفاق نفسه. إن هذه التطورات لم تأت من فراغ بل جاءت في إطار الإعداد والتطوير المستمر للميزانية العامة وبمتابعة من قمة الهرم حتى أسفله وباتخاذ القرارات التي تحقق أهداف الاستدامة المالية والاقتصادية، إنها هنا الحوكمة والشفافية التي تحدد أداء مؤشرات الميزانية العامة الفعلية وقراءتها دورياً ويسهل عملية المراقبة والمتابعة. فليس من السهل الموازنة بين الإيرادات والنفقات المستهدفة، لكن من الأهمية بمكان التخلص من الإنفاق الحكومي ذي الكفاءة المتدنية وترتيب الأولويات في اتجاه التوازن على المدى المتوسط وتحقيق فوائض مالية أعلى على المدى الطويل، بما لا يترك أثراً سلبياً على الأداء الاقتصادي وبرامج تنويع الاقتصاد ويحفز القطاع الخاص على زيادة استثماراته لمواجهة أي مخاطر اقتصادية مستقبلاً. فنمو الإيرادات العامة المتراكمة يخفف أعباء عجزها والدين العام عندما يتم قياسهما كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وهما مرتبطان بتحسن النمو الاقتصادي، فكلما ارتفع إجمالي الناتج المحلي الحقيقي كلما انخفض العجز والدين في ظل سياسة مالية متوازنة. فمن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ب 7.5 % في 2022، مع تراجع معدل التضخم من 3.3 % في 2021 إلى 1.3 % 2022، وسوف يتراجع هذا النمو إلى 3.6 % مع ارتفاع التضخم ب2 % في 2023. وبناءً على بيان وزارة المالية التقديرية للعام المالي 2022م، فمن المتوقع استمرار ارتفاع الإيرادات من 930 مليار ريال في 2021م إلى 968 مليار ريال في 2023م أي ب4.3 %، رغم تراجعها ب2.9 % في 2022م عن العام الجاري، والذي يعود إلى احتمالية تراجع الإيرادات النفطية، حيث تتوقع أوبك+ أن تحقق أسواق النفط العالمية فائضاً في المعروض العام المقبل، وبشكل متصاعد خلال الربع الأول ليصل إلى 3.2 ملايين برميل يومياً وبمعدلات أقل حتى أكتوبر 2022، ما سينعكس سلباً على مستويات الأسعار. أما على جانب الإنفاق، فمن المتوقع تراجع الإنفاق ب 7.3 % من 1.015 تريليون ريال في 2021م الى 941 مليار ريال في 2023م، مع اكتمال المشروعات العامة وبدء علميات التخصيص، فبارتفاع الإيرادات وتراجع الإنفاق سيترتب عليه انخفاض عجز الميزانية ب109 % من 85 مليار ريال في 2021م إلى فائض قدره 27 مليار ريال في 2023م، بينما سيرتفع الدين العام ب 5.5 % في 2022م عن العام 2021م وبنسبته 31.3 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2022م وسيكون على ثبات خلال 2023 عند 989 مليار ريال وب 29.2 % من الناتج المحلي الإجمالي. إن استمرارية رفع كفاءة الإنفاق وتنويع الإيرادات ونمو الاقتصاد، سيقلص عجز الميزانية ويحقق نقطة التوازن المالي في 2023، نحو الاستدامة المالية والمزيد من الفوائض، مع ثبات قيمة الدين العام على المدى المتوسط وتقلصه على المدى الطويل.