يتوجب علينا الكثير من الأحيان الصمت في بعض المواقف، لأن الصمت أبلغ من الكلام، يتوجب الصمت عندما يكون بعض الجهلاء أمامك من الذين مهما تحدثت وتناقشت معهم تعلم بأن لا جدوى ولا منفعة من كلامك، فهنا الصمت أبلغ من الكلام. عندما تعلم علم اليقين بأن تبريرك ودفاعك عن نفسك لن يغير شيئاً، فهنا الصمت أبلغ من الكلام. عندما تجدهم يثرثرون بغوغائية، فاعلم هنا أن الصمت أبلغ من الكلام. عندما تجدهم يتحدثون بغطاء وثوب العادات والتقاليد ونسوا أصول وأساسيات دينهم، فهنا الصمت أبلغ من الكلام. عندما تجدهم يتحدثون عن هذا وذاك، ولا توجد كلمة في الأرض إلا وقيلت، وينسون أن الله حرم الغيبة والنميمة، وفي حديث لرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما عُرِج بي، مررت بقوم لهم أظفارٌ من نحاس، يَخْمِشُون وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم". الصمت وسيلة الحكماء في التصدي لكل من يحاول أن يزعزع ثبات الصبر، فيتبع الحصيف أسلوب التجاهل والتغافل حتى وإن كان قادراً على مواجهة من يتحدث ويرمي الكلمات ويكيل الاتهامات، إلا أنه يتبع الصمت الذي يعزز قيم المسلم وثباته على الحق، وابتعاده عن مهاترات الحديث الفارغ، وعلوه عن سفاسف الأمور، ليكون في مستوى الرقي الذي يليق بالإنسان العاقل الذي يعطي للآخرين دروساً في التعامل بالصمت أمام أقوال الجاهلين. الصمت هو الدواء الشافع للنفس الباحثة عن الهدوء والتصالح والتسامح والرقي في كل شؤون التعاملات مع الغير، وهو الأسلوب الذي يميز أصحاب القلوب البيضاء، التي تشيع معاني الصفاء والوفاء مع الذات ومع الآخرين حتى ينأى بنفسه عن الجدال الذي يعمي البصائر ويستهلك الوقت ويثير البغضاء، مما يجعل الصمت أداة لنثر عبير السكينة وإشاعة الطمأنينة التي تسهم في راحة البال وعلو قيمة الإنسان في التعامل مع أقوال وأفعال الآخرين في كل المستويات التي تكفل أن يسير الإنسان في دروب الحياة وهو يحمل نفساً نقية تقية، وينعم بأمان داخلي يجعله في سلام واطمئنان، غير مبالٍ بمعارك الآخرين القولية التي سيكون مصيرها الانهزام. أتمنى أن يتبع كل إنسان تعرض للإساءة أسلوب الصمت، الذي إن تعودت عليه النفس أصبح سمة من سماتها، التي تميز العاقل من الجاهل، وتضفي على حياة الإنسان كل مشاعر الارتياح والسكون والأمن، فالصمت أمر جميل يتصف به الفضلاء والنبلاء وأصحاب العقول المستنيرة التي تبتعد عن الصدامات وترتقي عن المجادلات.