تم الأسبوع الماضي عقد قمة افتراضية استضافها الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض، وشارك فيها عبر الفيديو كلّ من رئيسي الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأسترالي سكوت موريسون، وانتهت هذه القمة بالإعلان عن معاهدة «أوكوس»، التي بمقتضاها سوف يتم تشكيل تحالف أمني استراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يضمّ البلدان الثلاثة لمواجهة الصين. وهذا التحالف ليس أمنياً فقط، وإنما عسكري واقتصادي، تم التمهيد له بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي. وأنا أقول تم التمهيد له، لأن المعطيات الجيوسياسية قد بدأت تتغير ليس اليوم، وإنما منذ عام 2008م، عندما بدأت الصين تتحول بدل الولاياتالمتحدة إلى قاطرة تجر وراءها بقية عربات الاقتصاد العالمي، ومنذ ذلك الحين تمكنت الصين من تخطي ألمانيا كثالث أكبر اقتصاد في العالم وقتها، وحلت محلها، ومن ثم تقدمت على اليابان التي كانت تشغل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأصبحت هي المنافس الرئيس للولايات المتحدة، وكما يشير تقرير مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال البريطاني (سي إي بي آر)، فإن الصين عام 2028 سوف تحل محل الولاياتالمتحدة كأكبر اقتصاد في العالم. وهذه الوفرة المالية التي حصلت عليها الصين، جاءت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وحصول المستثمرين في الغرب، جراء ذلك، على أموال طائلة تفوق الطاقة الاستيعابية لاقتصاد بلدانهم، ولذلك تم توظيفها في الصين. وهذا مكن الصين من الإنفاق ليس فقط على الاقتصاد، وإنما على جيشها الذي يسير بشكل حثيث ليصبح أقوى جيش في العالم، فالجيش الصيني، الذي يأتي ترتيبه الثالث بعد الولاياتالمتحدةوروسيا في مضمار الأسلحة الاستراتيجية، يتحول إلى المركز الأول في مجال التسليح التكتيكي وعدد الأسلحة والصواريخ متوسطة المدى. إن القوة الاقتصادية المتنامية للصين، قد وفرت المال لبناء جيش قوي يهابه خصوم هذا البلد، ولذلك تتحول كل القدرات الأميركية لمواجهة القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية الجديدة، وهذا سوف يؤدي إلى التقليل من شأن بقية الدول المتحالفة مع الولاياتالمتحدة وتقع بعيداً عن الصين، وهذا ربما سوف يشملنا، مثلنا مثل أوروبا التي سوف يضعف الاهتمام الأميركي بها، هذا الاهتمام الذي تكون بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة الاتحاد السوفيتي، وأولى ضحايا هذا التوجه الجديد كانت فرنسا، التي خسرت صفقة الغواصات مع أستراليا، التي تقدر قيمتها ب56 مليار يورو، الأمر الذي اعتبرته فرنسا طعنة في الظهر. فمعاهدة «أوكوس»، هي بمثابة نواة لتجمع عسكري جديد في المنطقة المحيطة بالصين -أو ناتو رقم 2-. وهذا سوف يضعف حلف الناتو الذي سوف يفقد الاهتمام به، بعد أن أصبحت الصين وليست روسيا هي العدو الأول.