تقرر عند العقلاء أن الخطأ لا يمكن أن يقابل بخطأ مثله، أو أكبر منه، وأنه عندما تجتمع مفسدتان يعمل بأخفهما تلافيًا للمفسدة العظمى.. فالأمن الفكري لا يمكن أن يجابه بالانغلاق الفكري، حتى نقول إننا في أمان من الانحرافات الفكرية، وبالتالي ننعزل عند التحديات المعاصرة، رغبة في تحقيق ذلك الأمان المزيف. هذا الأسلوب -أي الانغلاق الفكري- لن ينتج لنا إلا إنسانًا مستعملًا، يسير خلف الآراء، والأفكار من دون تفكير وسؤال، وسبب ذلك أنه وجد بيئة مناهضة للبيئة المنغلقة التي كان يعيش فيها، بصرف النظر عن صحة ما انتمى إليه، من عدمه. فبدلاً من أن يكون عنصر بناء، ولبنة عطاء في دولته ووطنه ومجتمعه، يصبح معول هدم، ضاربًا بكل ما أوتي من قوة في حمى بيئته، أو ينتج لنا نسخًا مكررة في الثقافة والحديث والأفعال، لا تقدم جديدًا، ولا تغير واقعًا، إنما هي أفكار نمطية، في أجساد مختلفة. هل هذا الذي نريده؟! هل هذا الذي نطمح له؟! الأمن الفكري مطلب لا يحيد عنه إلا ضال، أو فاسد ولا شك، بيد أنه لا يتحقق بالانغلاق، والتقوقع حول الأفكار، والآراء النمطية.. فالأمن الفكري الذي ينبغي أن يعزز هو: كيف نكون نحن، كما نحن، بذاتنا وعقيدتنا وأفكارنا وأعرافنا، مع الانفتاح على المعارف المحيطة بنا، والآراء والعقائد والأفكار والأعراف من حولنا، من غير أن نتخلى عن ذواتنا الممثلة لشخصيتنا؟. ولا يظن ظان أن سبب التطرف -سواء لذات اليمين، أو الشمال- لا يمكن أن يكون إلا من خلال الأطراف الخارجية، التي نُصِر على حجبها عنَّا، بل العكس، فيمكن للمتطرف أن يدخل عليك من ذات بيئتك، وذات تراثك الإسلامي، فيبلور الأفكار والعقول مستندًا على هذا التراث تبلورًا يعود بالخسارة والحسرة على المجتمعات والأمة، فتكون خاسرًا لذاتك، خاسرًا لدينك الذي أصبح مهزوزًا في نفس حامليه، ونظر الآخرين. الإسلام الدين الحق، لا حياد في ذلك ولا مرية، لكن باسم هذا الحق لا نلغي الأفكار والآراء المقابلة، رغبة منَّا في ملء ثغرات ديننا، التي ما كانت لتكون لو أننا عرفنا قوة حجة هذا الدين العظيم.