موسم الحج ليس مجرد مناسبة دينية يؤدي فيها الحجاج نسكهم ثم يغادرون إلى ديارهم بل هو ملف شائك شديد التعقيد، حيث تجتمع فيه التحديات دفعة واحدة، الصحية منها والأمنية والبيئية، والإدارية. وعلى الرغم من أن موسم الحج يشكل تحدياً هائلاً للجهات المسؤولة المخلصة، إلا أن القيادة الرشيدة المتمكنة تسعدنا في كل عام بنجاحات وإنجازات تتفوق على ما تحقق في الأعوام المنصرمة. هذا بعد توفيق الله يأتي بفضل الاستعدادات المبكرة لموسم الحج. فما إن ينتهي موسم الحج تبدأ على الفور الترتيبات لحج العام المقبل، وتشمل هذه الترتيبات جوانب العمل كلها والاشتغال بالاستفادة من التجارب السابقة وتلافي بعض أوجه القصور وتطويرها. وحتى يكون العمل على تطوير الخدمات المقدمة للحجاج أكثر دقة وتنظيماً، فقد أسست حكومة المملكة العربية السعودية منذ فترة مبكرة عدة مراكز تعتني بموسم الحج والعمرة، وتقدم الأبحاث المتعمقة والآراء النيّرة لتتخذ الحكومة على ضوئها اللازم من القرارات التي تخدم حجاج وزوار بيت الله الحرام، ومن هذا المراكز البحثية المميزة، معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج الذي أنجز عدة مشروعات تبعث الفخر وتثير الإعجاب، ومن أهم الإنجازات التي يشكر عليها المعهد، مشروع الخيام المقاومة للحريق، هذا المشروع الذكي جنّب -بعد الله- الحجاج في مشعر منى حوادث حريقٍ كانت محتملة الحدوث. ومن ضمن الإنجازات المشكورة التي حققها المعهد مساهمته في رفع كفاءة المرور وخفف اكتظاظ السيارات الصغيرة التي لا يستفاد من وجودها وذلك بمنعها من دخول المشاعر المقدسة. إضافة إلى مشروع الحافلات الترددية التي ساهمت في سيولة حركة المواصلات وخففت عن الحجاج الوقت والجهد وأوصلتهم إلى مقاصدهم بسرعة وراحة. ويجب أن لا ننسى ذلك المشروع الجبار للإفادة من لحوم الهدي والأضاحي، الذي حل مشكلة تكدس الأضاحي في أماكن ذبحها من دون أن يستفيد منها أحد، مُخلفة آثاراً خطيرة صحية ومادية، حيث نجح هذا المشروع العظيم في الإفادة منها عبر إرسالها إلى الدول الفقيرة. هذه الخدمات المذكورة المشكورة التي أبهجت الحجاج وسهلت عليهم أداء النُسُك، ليست هي كُلّ شي. إذ لا يزال في جعبة الجهات الساهرة على خدمة المسلمين الكثير من المشروعات المميزة المُنتَظرة الهادفة إلى تحقيق تطلعات قيادة المملكة المُتشرفة بخدمة الحرمين الشريفين وحجاج البيت الحرام. تضاف إلى هذه النجاحات المُعجبة الجليلة نجاحاتٌ أخرى تحققها بقية قطاعات الدولة الأمنية والصحية والبلدية وغيرها من عشرات القطاعات المشاركة في خدمة الحجاج. ومما يثير العجب أن هذه القطاعات على كثرةِ عددها واختلاف اختصاصاتها ومهامها وتنوع خدماتها إلا أنها تتعاون مع بعضها بتناغم مُدهش وكأنها كتلة واحدة وقطاع واحد. ولكن العجب سرعان ما يزول إذا علمنا أن هذه القطاعات الكثيرة العدد المُختلفة المهام تعمل بإشرافٍ مباشر من خادم الحرمين الشريفين وبمتابعة شخصيةٍ دقيقة من ولي العهد الأمين الأمير محمد بن سلمان.