العطاءُ والإبداعُ لا يَحُدُّهما سِنٌّ مُعيّنٌ، ولا يتوقَّفَانِ عند السّتّين ولا السبعين من العمر، بل يمتدّان إلى أكثر من ذلك بعد توفيق الله. لذا مِنْ المؤمَّل أنْ يكون لدينا آليّة للاستفادة من علمائنا ومبدعينا المُحَالين بقوّة النظام للتقاعد، مع نضوج مواهبهم وزيادة نتاجهم العلمي والفكريّ والبحثيّ، وهنا يتبادرُ إلى الأذهانِ سؤالٌ مفاده: لماذا ينتظر ُالمبدعُ من يحتضنه ليبدع أو يواصل إبداعه؟ ألا يستطيع أن يساهم من خلال القنوات المتاحة والمتعددة؟ ومنها وسائل التواصل الاجتماعي المفتوحة، كما ترد إجابة لذلك تقول: إن بعض الجامعات -في الغالب- تحافظ على المبدعين من منتسبيها، ولكنّ الواقع يناقض ذلك، فهناك عدد كبير من أساتذة الجامعات والضباط والفنيين السعوديين تمّت إحالتهم إلى التقاعد، وهم في قمّة عطائهم ونشاطهم العلمي والبحثيّ والصحي، إضافة إلى أنهم متخصصون في مجالات نادرة، والسبب قوة النظام أو اكتفاء القسم في الجامعات، أو عدم وجود دراسات عليا، كما أنّه لا يوجد آلية واضحة لدى الجامعات الحكومية للاستفادة من المتقاعدين، والجامعات الخاصة لم تصل بعد إلى المستوى الذي يمكِّنها من الاستفادة من عضو هيئة التدريس المبدع في التخصصات النادرة. والمعروف نظاماً أن يُحال عضو هيئة التدريس إلى التقاعد بعد أن يبلغ سن الستين سنة، ومنهم من يمدّد له إلى (65) سنة، وبعضهم يتقاعد، ومن ثم يتعاقد مع الجامعة. لذلك يطمح الجميع إلى إيجاد آلية أو نظام أو مركز أو جمعية ترعى الرّاغبين في ممارسة البحث، والموهوبين، والمبدعين للاستفادة من خبراتهم، وتفعِّل قدراتهم، وترعى خلاصة تجاربهم العلمية والإدارية، فالعالم لا يتقاعد عقله، ولا يتوقّف عطاؤه وفكرة. وهنا أقترحُ أنْ تُصمِّم بعض الجامعات، أو مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، أو مراكز الأبحاث الأخرى بوابةً أو تطبيقاً خاصَّاً بالعلماء الأفذاذ؛ للاستفادة من علمهم، وتجاربهم، لاسيّما أنَّ كثيراً من الأنظمة عُدِّلت بما يناسب المبدعين، ولعلّ مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع تتبنى هؤلاءِ العلماء ومساعدتهم لإبراز ما لديهم من مواهب علمية وبحثيّة، وتقديمهم من خلالها للمؤسسات والمراكز البحثية. ولنا في البروفسور «جون جوداناف» مثالٌ وشاهدٌ حيّ للاستفادة مِن العلماء المحالين للتقاعد، فقد أُجبر بقوة النظام إلى التقاعد لبلوغه (65) سنة في جامعة أكسفورد البريطانية، فذهب بعدها إلى جامعة أميركية لا تلتزم بسن التقاعد للموهوبين والمبتكرين، لأنّ الإنتاجية هي المحك الأساسي لأعضاء هيئة التدريس والباحثين والعلماء والقادة الإداريّين المميّزين، واستطاع البروفيسور «جون» منح جامعة تكساس الأميركية وسام الشرف بحصوله على جائزة نوبل عندما بلغ سنّه (97)، وهذا بدوره يرفع من مرتبة الجامعة على مستوى العالم. لذلك يجب أنْ نغتنم مواهب وقدرات علمائنا المبدعين من خلال إتاحة الفرص التنافسية لهم. * رئيس جامعة شقراء وعضو مجلس الشورى - سابقاً