ذات يوم تحاورت مع إحدى الشخصيات اللطيفة، التي شاءت بنا الأقدار أن نسلك هذا المسلك من النقاش فيما يتعلق بتحليل الشخصيات، ولعلي وقعت في الفخ حينما غامرت وأقحمت نفسي في تحدٍ شديد اللهجة، كنت أملك القناعة التامة بأنه لا أحد قادر على فهم شخصيتي ودواخلي ما دام لم يعاشرني، وبذلك لا يستطيع اكتشاف شيء لا أرغب بأن يُكتشف، لا أخفيكم القول إنه استطاع أن يكتشف نسبة لا بأس بها مما يدور في رأسي، ولكنه في الوقت نفسه وللأسف لم يصل معي إلى التمام والكمال في التحليل، حُسم الأمر بنسبة جديرة بالذكر، ولكني ما زلت عند رأيي أنه لا أحد قادر على اكتشاف الحقيقة كاملة مهما كانت الصورة المقدمة له على أطباق من الذهب والفضة، فزارني شبح التفكير في تساؤل مثير، رغم أن المرء لديه قابلية كبيرة في فهم نفسه وتحليل ما يدور في تلك البلورة الصغيرة التي تقبع في رأسه، إلا إنه ومع كل ذلك يشعر أنه بحاجة إلى شخص لتحليل ما يجول بخاطره وطريقة تفكيره وتحليله النفسي والعاطفي، في الحقيقة في ظل إيماني اللامتناهي بعلم التحليل، إلا أني أستطيع أن أقول: إن التحليل قد يكون دقيقاً إلى حدٍ ما، فلكل فطرة قدرة كبيرة على التشكل والتغير بين ليلة وضحاها، وإن الثوابت والأساسيات في النفس البشرية قد تتحول بناء على المواقف والعقبات التي تدور بها الحياة، وكل ذلك كفيل بتحويله من شيء لشيء آخر لا يشبه ما قبله، لا أحد ثابت من البداية إلى النهاية، ولا أحد مستثنى في هذه القاعدة، الإيمان بالعلوم أمر جميل، وقدرتك على اكتشاف الآخرين تأتي بالممارسة والارتباط والتعامل المباشر، لكي تستطيع فهم من يقف أمامك نسبياً على أقل تقدير، إمكانية الوصول للعقول أمر في غاية التعقيد لا يستطيع التغلغل فيه إلا شخص ذكي جداً، حاد الدقة والتحليل الفوري للسلوكيات والعلامات الظاهرية، في النهاية أرى أن الكل يستطيع أن يحلل، ولكن ليس بالضرورة أن يكون على صواب، فهناك الكثيرون مبدعون بالتصنع، وتشتيت الانتباه، ولعب الأدوار.