يبدو شهر أغسطس وما بعده حافلا بالأحداث في الدولة التونسية، التي تبحث اليوم كل ساعة عن دعم أشقائها العرب لها بعد "نيران الإخوان المجرمين"، التي ذاقت مراراتها على مدى العشر سنوات الماضية في "عشرية سوداء"، لم تذق فيها تونس سوى الفقر والإرهاب والدمار. وقبل أن نستقرئ الأحداث التونسية خلال الأيام الماضية، فلا بد من الإشارة أولا إلى أنه وعلى المستوى العربي لم تتأخر المملكة العربية السعودية في الوقوف مع الدولة التونسية، كما وقفت قبل سنوات مع الدولة المصرية ضد إرهاب الإخوان المسلمين الذين أعلنوا صراحة وعلى لسان محمد البلتاجي أن الإرهاب سيتوقف بمجرد أن تتوقف أحداث 30 يونيو. وكأنه اعتراف ضمني بمسؤولية الجماعة عن الأحداث الإرهابية التي ملأت مصر في تلك الساعات. تصريح وزارة الخارجية السعودية "إن المملكة العربية السعودية تؤكد ثقتها في القيادة التونسية، وذلك في تجاوز هذه الظروف وبما يحقق العيش الكريم للشعب التونسي الشقيق وازدهاره، وحيث إننا تابعنا مجريات الأوضاع الحالية التي تشهدها الجمهورية التونسية الشقيقة. ونؤكد احترامنا لكل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي ونعده أمراً سيادياً، وسنقف إلى جانب كل ما يدعم أمن واستقرار الجمهورية التونسية الشقيقة، وندعو المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب تونس في هذه الظروف لمواجهة تحدياتها الصحية والاقتصادية". وقام وزير الخارجية السعودي بزيارة خاصة ومهمة إلى تونس حيث أعلن "احترام المملكة كل ما يتعلق بالشأن الداخلي التونسي وجدد موقف المملكة الداعم لأمن واستقرار تونس والوقوف بجانب كل ما يحقق الرفاه والازدهار للأشقاء في تونس، وما اتخذه الرئيس من قرارات تهدف إلى استقرار الوضع في تونس، خاصة الوضع الصحي والاقتصادي، مبدياً ثقة المملكة بالقيادة التونسية على تجاوز هذه الظروف وتحقيق العيش الكريم للشعب التونسي. أشقاء تونس يهدفون إلى أن تبقى تونس دولة حرة، دون أي تدخل من الدول الأجنبية بشأنها الداخلي، وأن تعمل المؤسسات في البلاد بما يلبي تطلعات المواطنين، ويحقق لهم مصالحهم، وأن يتم القضاء على الفساد في دولة تمر بأوضاع اقتصادية صعبة، فضلاً عن كشف المستور عن تمويل بعض الدول لبعض التنظيمات والأحزاب بأموال مشبوهة لا تخدم مصالح البلاد، وعلى الرئيس قيس سعيد أن ينفتح على جميع القوى السياسية في تونس، بعد أن ضمن تأييدا كاملا من الدول العربية. وبالعودة إلى مطلع الأسبوع فإنه منذ أيام قليلة بل وفي ساعة الهبة التونسية، التي قادها الرئيس قيس سعيد ضد التجاوزات التي حاولت حركة النهضة الإخوانية منذ اعتلائها سدة البرلمان تقنينها، ولولا بعض النواب الشرفاء في البرلمان التونسي فقد أعلن الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وتعليق حصانة كل النواب استنادا إلى الفصل 80 من الدستور، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي على خلفية الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها عدة مدن، ولم أستغرب أبدا أن يدعو رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين أنصاره من الإخوان إلى النزول إلى الشوارع لإنهاء ما وصفه بالانقلاب، قائلا: "إن على الناس النزول إلى الشوارع مثلما حصل في 14 يناير 2011 لإعادة الأمور إلى نصابها" وهنا سقطت الأقنعة الإخوانية عن بعضها وانكشفت قدرة راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة «الإخوانية»، على تمثيل دور المغلوب على أمره، فلا غرابة ما دام ينتهج منهاج جماعة قادرة على الخداع والكذب. بالرغم من اتفاق الشعب والأحزاب السياسية التونسية جميعها باستثناء حزبين سياسيين هما: حركة النهضة «الإخوانية»، وائتلاف الكرامة على أن قرارات الرئيس سعيّد دستورية، وأنها بمنزلة إنقاذ للدولة وكذلك بدستورية مقولة الرئيس قيس سعيد «لقد تم السطو على إرادة الشعب بنصوصٍ قانونية وضعوها على المقاس، لاقتسام السلطة» في إشارة إلى حركة النهضة «الإخوانية»، فإنه وهو في موقفه الدستوري هذا يستند على الفصل 80 من الدستور التونسي، الذي «يمنح الحق لرئيس الجمهورية أنه في حالة وجود خطر داهم مُهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس المحكمة الدستورية»، ولا يخفى أن حركة النهضة، ومعها رئيس الحكومة المعزول، كانت قد غيَّبتها بفعل ممارسات رئيس مجلس النواب ما جعل الرئيس يقدم على ما أقدم عليه.وهنا يرد السؤال: لماذا كانت هذه القرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيد؟ والإجابة هنا أن هذه الإجراءات اتخذت نتيجة تراكمات لما تقوم به الجماعات المتطرفة من تخريب سياسي وأمني واقتصادي للبلاد، وأن هناك بعض الوثائق والملفات بحوزة رئيس الجمهورية جعلته يتخذ مجموعة القرارات الصارمة، وسط توقعات بملاحقات قضائية للغنوشي، نظراً إلى المكاسب المالية الكبيرة التي حصل عليها لأسرته والمقربين منه ولا يخفى على التونسيين ما قام به هذا المكون الإخواني من استعباد الشعب التونسي ودعم كوادره الإخوانية وتمكينهم من المال والمناصب ومفاصل الدولة وفرض هيمنتهم ورؤيتهم، والرئيس قيس سعيد فعل البنود الدستورية التي تفوضه بحماية بلاده عند أي خطر داهم، وأي خطر أكثر من انقلاب الإخوان على الدولة التونسية التي تسللوا في مفاصلها بالترغيب والترهيب. من الناحية الدستورية لا شيء يشوب الخطوات التي اتخذها الرئيس التونسي بتجميد أعمال البرلمان ورفع الحصانة عن جميع أعضائه وإعفاء رئيس الحكومة وتولي السلطة التنفيذية ورئاسة النيابة العمومية، تمهيداً لجملة من الإجراءات والتدابير اللاحقة لإنقاذ تونس من الأوضاع المتردية التي وصلت إليها لعجز الحكومة والبرلمان عن تحقيق أدنى متطلبات الشعب التونسي، الذي لم يعش مثل هذه الأزمات منذ استقلاله إلا تحت سطوة حكم حزب النهضة الإخواني التي تقدم الحزبية على الوطن. وهنا يرد السؤال الآخر: لماذا رفض الشعب التونسي تلك المؤامرة الإخوانية على نظامه وحرياته؟ والحقيقة هنا أن خطة ومؤامرة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين أخذت الكثير من الوقت والتخطيط، وتغطت في الحالة التونسية بما يُعرف بحقوق الإنسان، والديموقراطية، والحرية، وحق المواطن في التعبير الحر سلمياً، مع حقه في اختيار ممثليه في مجلس النواب حيث تم اختيار (الغنوشي) رئيساً للمجلس، وعمل على إنجاز المشروع التآمري، بصرف النظر عن ملاءمته لطبيعة تونس ورغبة مواطنيها، فاضطر رئيس البلاد بعد طول صبر إلى تنفيذ المادة 80 من الدستور، وأخذ بما تمليه عليه مسؤولياته فكان قراره بتجميد مجلس النواب لمدة شهر، وحل الحكومة وإقالة رئيسها، وإقالة وزير الدفاع، إلى جانب قرارات أخرى مهمة ليس أقلها كشف المستور عن تمويل بعض الدول لبعض التنظيمات والأحزاب بأموال مشبوهة. واليوم نتساءل، ما مستقبل حركة النهضة وقد بدأت فيها الانشقاقات خلال الساعات القليلة الماضية؟ وأقول هنا إن تصريحات زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، وخصوصا ما قاله عن الدعوة للحوار وعدم الاقتتال يتناقض مع دعوته للنزول والاحتكاك مع القوى الأمنية، وكلامه في كل الأحوال هو بمثابة استحضار لتاريخه وتاريخ جماعته الدموي، فالرجل الذي أصابته ضربة الرئيس قيس سعيد في مقتل، لم يعد يدري ماذا يقول ولا ماذا يفعل بسبب الارتباك والتشتت بعد أن طبق الرئيس المادة 80 من الدستور، فأصبح يهدد بعودة العنف والإرهاب إلى تونس إذا لم يتم التراجع عن القرارات الرئاسية، وما نقلت عنه صحيفة «كورييري ديلا سيرا» الإيطالية، شاهد على ذلك حيث يقول «لا يمكننا ضمان ما سيحدث في تونس»، بل وحذر إيطاليا وأوروبا من تداعيات ما سيحدث في تونس، وزعم أن نحو 500 ألف تونسي سيتدفقون نحوكم بوقت قصير. ومرة أخرى يعترف بارتكاب أخطاء خلال الأعوام الماضية في المجاليْن الاقتصادي والاجتماعي، مؤكّداً أنّ حزبه يتحمّل جزءاً من المسؤولية، واليوم يعلن استعداده لتقديم أي تنازلات إذا كانت هناك عودة للديموقراطية، داعياً إلى إجراء حوار وطني. إن الجماعة الإرهابية تخطط لإغراق تونس في دوامة العنف من خلال الخروج في تظاهرات تخريبية لاستفزاز الأجهزة الأمنية، ولا يستبعد كثير من المحللين فرضية توجه حركة النهضة وعناصرها إلى ممارسة العنف كل ما ضاق عليها الخناق سياسياً خصوصا، أن الدستور يسمح للرئيس بتمديد حالة تجميد البرلمان أكثر من شهر إن رأى حاجة لذلك. في الخلاصة يا سادة فإن ما يحدث في تونس الآن يمثل حدثا تاريخيا يسجله التاريخ، بعد قرارات الرئيس التونسي الذي رأى الصالح لشعبه والعمل بمسؤوليته تجاه شعبه الذي اختاره رئيسا، وسيواصل هذا الرئيس رحلته لإنقاذ بلاده من براثن جماعة الإخوان، واليوم بعد نحو عقد من الزمان سيطرته فيه الجماعة المذكورة على القرار التونسي، تمكنت الإرادة السياسية للرئيس التونسي قيس سعيد من إسقاط منظومة الإخوان التي تغلغلت في كافة أركان الدولة، لتعطي فرصة للشعب في تنفس الصعداء والاستيقاظ من حالة الاحتقان والصراعات السياسية والأزمة الاقتصادية والصحية، وكلها أمور تسببت فيها حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي، وسيُعبد الرئيس قيس الطريق أمام تونس الدولة والشعب، وسيتفرغ التونسيون لمجابهة الفقر والبطالة ومكافحة الجائحة، بعد أن لفظوا جماعة الإخوان إلى غير رجعة.