بالتأكيد ليس بالرأي الصواب وحده تكسب الجدل أو تُقنع الخصم؛ لذا فإن الخطوة التأسيسية لأي حوار بنّاء هي إدراك المنطق السليم، حتى لا تقع في فخ المغالطات المنطقية، التي بواسطتها تثار العواطف ويُؤثر على العقول، وبالتالي تكسب الحجج الباطلة! يقوم الكثيرون باستغلال استدلالات خاطئة أو معلومات مضللة أو أفكار غير دقيقة، لأجل تحريف النقاش وكسب جدل الطرف المقابل، رغم قوة حجته وصلابة براهينه، وهذا ما يطلق عليها بالمغالطات المنطقيّة. هذه الحجج عادة ما تبدو ذات مظهر خادع كما لو كانت صحيحة! وقد يصعب اكتشاف تضليلها، كونها تأتي ضمن أنماط خطابية تحجب الروابط المنطقيّة بين العبارات، إذ تستغل المغالطات المنطقية نقاط الضعف الفكرية أو العاطفية للطرف المقابل، ومنها تأتي أهمية إدراك مهارات التفكير المنطقي لفضح الروابط الخاطئة بين المقدمات والاستنتاجات، وبالتالي القدرة على التمييز بين ما هو صحيح فعلياً وما قد يبدو صحيحاً ظاهرياً! أحد أسباب الاستخدام غير المقصود للمغالطات هو الميل للبدء من النتيجة قبل بناء حجة تدعمها، أو عدم القدرة على إدراك الترابط بين المقدمة والنتيجة، كون الاستنتاج يتكون من مقدمة كبرى ثم مقدمة صغرى، وغالباً ما تقع المغالطة حينما يكون هناك خطأ في المقدمة أو عدم ترابط بين المقدمة والنتيجة، مثل أن نقول في المقدمة الكبرى: إن المرضى يذهبون للعلاج في المستشفى، ثم نقول في المقدمة الصغرى: يوسف يذهب إلى المستشفى، فنستنتج أن يوسف مريض! بينما في الواقع أنه قد يكون موظفاً في المستشفى وليس مريضاً، رغم أنه يشترك مع المرضى في الذهاب إلى المستشفى، إذ أنه لا تلازم بين المقدمتين. نحن لا نتعرض لهذه المغالطات المنطقيّة في نقاشاتنا اليومية فقط، بل إلى استغلالٍ عرم لتلكم المغالطات عبر وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، بدلاً من استخدام المنطق السليم لطرح فكرة ما وإقناع المتلقين بذلك، لذا تمسي أهمية التمسك بالمنطق السليم، بواسطة البحث والتحليل والاستقصاء والاستنتاج والتقييم الموضوعي للمعلومة، وتنمية مهارة التفكير النقدي، حتى تكشف الادعاءات الباطلة وتفنّد الاستنتاجات الخاطئة. ونظراً لتنوع بناء المغالطات بناءً على طريقة شكلها أو محتواها فإن تصنيفها يشكل تحدياً صعباً، فقد تصنّف إلى صورية وإلى غير صورية، وإلى مادية وأخرى لفظية، كما أن أمثلتها كثيرة ومتنوعة، ومن أهمها: "الشخصنة" عبر مهاجمة شخصية الطرف المقابل بدلاً عن مناقشة الحجة، "المنحدر الزلق" التي تربط حدوث فعلٍ ما سوف يجر وراءه سلسلة محتومة من العواقب، "الرنجة الحمراء" عبر تشتيت انتباه الطرف الآخر عن قضية النقاش، وغيرها. ليس الهدف من الانتباه للمغالطات المنطقية السعي لتحقيق الانتصار على الطرف المقابل، أو حتى إجهاض الحوار، بل تحقيق المصلحة المشتركة بالوصول إلى الرأي الأصوب أو الحقيقة المأمولة، عبر استدلالات صحيحة وذات منطقٍ سليم.