التحوّل عن المألوف يثير العديد من المخاوف والتكهنات: كل قطاعات الدولة ستنتقل للقطاع الخاص، فيتوقع البعض بأن العاملين في الجهات الحكومية سيفقدون وظائفهم بسبب التخصيص، وسيزيد التخصيص من نسبة البطالة وسيرفع أسعار وتكاليف الخدمات الحكومية. ولأن الأمر ليس مبنياً على تكهنات أو مقولات لذا أردت أن أسهم من خلال هذه المقالة بتوضيح مفهوم التخصيص وأنواعه وأهدافه بناء على ما ورد في النظام. لو قلنا ابتداءً: ما التخصيص؟ الإجابة هي أنه عملية تعاقدية لتحويل الموجودات أو الخدمات من القطاع العام إلى المبادرات الخاصة والأسواق التنافسية العاملة في القطاع الخاص، سواء أكان ذلك عن طريق الشراكة أم عن طريق بيع الأصول. فهو إذاً ذو شقين: أولهما: خدمات يقدمها القطاع العام فوضها للقطاع الخاص مع احتفاظ الدولة بالملكية. والثاني: نقل ملكية الأصول من القطاع العام إلى الخاص. فالنوع الأول من التخصيص يعني نقل إدارة المرفق إلى القطاع الخاص، مع احتفاظ الدولة الكامل بملكيته، وبحق ممارسة سلطة التنظيم عليه، وذلك في مقابل مالي من الدولة للطرف الخاص مبنياً على مستوى أدائه في تنفيذ الالتزامات المسندة إليه طيلة فترة العقد أو من المنتفعين من خدمات هذا الأخير -إذا نص في العقد على أي منهما-، على أن يقوم القطاع الخاص في نهاية مدة عقد التخصيص بإعادة المرفق محل التفويض بحالته الجيدة إلى القطاع العام. أما النوع الثاني من التخصيص وهو المتعلق بنقل ملكية أصول القطاع العام إلى الخاص، فإن تخصيصه يتم من خلال مبادرة بيع أصول القطاع العام، وفي هذه الحال ستنتقل تبعية موظفي الجهة الحكومية وعمالها من القطاع العام إلى القطاع الخاص، نتيجة لانتقال ملكية الأصول للقطاع الخاص. كما حصل سابقاً مع قطاعات الاتصالات. ومن هذه المبادرات نذكر على سبيل المثال: تخصيص المؤسسة العامة للحبوب والمطاحن، ومحطة الخبر لإنتاج المياه، ومبادرة تخصيص محطة ينبع لإنتاج المياه، وأبراج البث التلفزيوني، وأصول التبريد المركزي. وفيما يتعلق بالوظائف، فإن التخصيص بأسلوب الشراكة بين القطاعين العام والخاص -وبكل تأكيد- سيولد الكثير من الوظائف، وذلك نتيجة التزام القطاع الخاص ببناء المشروع وصيانته وتشغيله، الأمر الذي يتطلب توفير كوادر بشرية لإنجازه. فعلى سبيل المثال: مشروع محطة مطار جدة 2 لمعالجة مياه الصرف الصحي -وهو إحدى مبادرات قطاع البيئة والمياه والزراعة- الذي تم ترسيته على تحالفٍ مكون من شركات سعودية وفرنسية لتقوم ببناء وتشغيل محطة معالجة الصرف الصحي بالقرب من مطار الملك عبدالعزيز الدولي، سيسهم في إيجاد أكثر من 12000 وظيفة في عقد مدته 25 سنة بدءاً من تاريخ تشغيله المزمع في نهاية شهر ديسمبر 2021. أما عن أهداف الخصخصة فحدث ولا حرج. ففي مبادرة مشروع بناء 60 مدرسة، نجد أن الدولة قد استراحت من عناء البحث عن مقاول قد يتأخر في التنفيذ نتيجة انتظار المستخلصات من الدولة. كما أن ذلك يرشد الإنفاق الحكومي ولا يكبد الدولة تكاليف باهظة. فعند تفويض القطاع العام للمقاول أو المطور؛ فإن الدولة تضمن سرعة التنفيذ وجودته، ومما لا شك فيه أن القطاع الخاص في هذه الحال سيتفوق في الإنجاز وتقديم الخدمات، لأنه يضع نصب عينه تحقيق التنافسية وإرضاء العميل في آن واحد، بالإضافة إلى السرعة في الإنجاز بعيداً عن بيروقراطية وروتينية القطاع العام. وهذا بحد ذاته هدف من أهداف التخصيص، أعني دعم المنافسة وعدم الاحتكار.