واويلاه.. كيف أتزوج هيكلا قبيحا.. أنفاسه منتنة إذا لامست الأشجار أيبستها في أثناء سير قافلة تجارة بدو العقيل نحو حلب الشام والتي كان يرافقها الفرنسي لوي جاك مع أسرته عام 1808م أمعن النظر كما قال في كتابه رحلة إلى الجزيرة العربية في سيدة عربية يظهر أنها تعبت كما قال من هزات الجمل الذي كانت تمتطيه فنزلت إلى الأرض لتمنح أعضاء جسمها بعض الراحة بالسير على الأقدام. كانت طويلة القامة، مهيبة القوام، رائعة الشعر المكون من جدائل تنحدر بلا مبالاة على كتفيها لتصل إلى وسطها. أما ملامحها العامة فتبدو جميلة رغم أنها نصف مغطاة بنقابها. ولاحظ أن البدويات لا يتحجبن أمام الرجال في بادية العراق كما تفعل الحضريات. لكنهن عندما ينتبهن إلى أن غريباً ينظر إليهن، فإنهن من باب الحشمة يرفعن الكوفية التي تحيط بالرقبة إلى الوجه حتى مستوى العيون التي تبقى وحدها مكشوفة. هذه العادة المنتشرة بين النساء في إخفاء الوجه كله لا بعضه عن الأنظار المتطفلة للرجال هي من العادات القديمة كما يقول وتوجد في معظم بلدان آسيا لا بل في أوروبا أيضاً عند مختلف الأديان. وفي الجزئية التي خصصها أثناء مسير القافلة عن نساء العرب والبدويات بالذات لم يغب عن باله بعض الزيجات التعسفية التي تحدث بينهم عندما ترغم فتاة صغيرة لم تبلغ العشرين ربيعاً للزواج من عجوز في سن السبعين والثمانين خريفاً إما لأنه يملك المال أو لأنه فارس وفي هذه الحال لا تملك الفتاة أي حيلة أو وسيلة للرفض وحكى له البدو الكثير من القصص الواقعية من هذا النوع ويذكر قصيدة سمعها من هؤلاء أحد الأيام وكانت تدور حول هذا الموضوع وحول فتاة اسمها "نورة" كانت تندب حضها لأن أهلها كانوا قد قرروا تزويجها إلى شيخ عجوز. تقول كلمات الأغنية كما أسماها والتي يبدو أنها للفتاة نفسها وبعد ترجمتها ما معناه: إنهم يريدون وصل غصن ياسمين طري إلى جذع قديم منخور تعساً لك يا نورة، فالموت أفضل لك، موتي، موتي يا نورة مئة مرة أفضل لك من هذا الاستعباد الذليل.. وتستطرد الأغنية: واويلاه!. كيف أتزوج هيكلا قبيحا أنفاسه منتنة إذا لامست الأشجار أيبستها وإذا وصلت إلى المياه نجستها!... يقولون: إنه سيقدم لي مهراً: زوجين من الجمال الشقر وثلاثين شاة، وعشرين قميص من الكتان الأرجواني اللون وسوارين من الذهب؛ لكني لو بعت شبابي وحريتي بهذا الثمن فما عسى زميلاتي يفكرن فيه؟ وماذا سيت لمن عني؟... اليوم لمحت ذلك الظالم الذي يريدون أن يضحوا من أجله أنفه المعقوف أشبه ما يكون بمنقار الغراب وفمه فم البعير، ولحيته شوك الصحراء اليابس أما صوته فيذكرني بعواء الضبع أراد هذا العجوز النتن أن يغازلني وأن يتكلم عن الحب فأسرعت ورميت بنفسي في أحضان أمي، واويلاه!... لأن أمي دفعتني بجفاء. عندئذ ركضت وأخفيت نفسي بين قوائم فرس أبي التي كانت واقفة أمام خيمتنا!. انتهت القصيدة التي لم نجد أصل النص كما أن المترجم الذي ترجمها عن الفرنسية د. بطرس حداد ذكر بأنه بحث وسأل من أجل التوصل إلى النص الأصلي للقصيدة فلم يفلح ويرى أنه مهما يكن من أمر فإن القصيدة تستحق الدراسة لأنها تقدم للقارئ والباحث فكرة عن الحالة الاجتماعية قبل قرنين من الزمان في العراق وبوادي شمال الجزيرة وخاصة الفتاة التي كانت ترغم أو تكره أحياناً على الزواج. "يتبع" .. البدويات يخفين الوجه حتى مستوى العيون سعود المطيري