بعيداً عن كل ألقاب الدنيا ومناصبها التي نال منها فقيدنا كماً عظيماً وهو يستأهلها، أنعي لنفسي وللجميع وفاة الفقير إلى ربه الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري -رحمه الله-. مناقب هذا الرجل الفذ كثيرة وأنّىَ لي أن أحصيها، لكنني سأتحدث عن جانب محبته للفقراء والأيتام والأرامل وتلمسه لحاجاتهم وسعيه الذي لم ينقطع للشفاعة لهم، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر مجلسه اليومي الصباحي الذي يستقبل فيه كل من يحتاج إلى شفاعة أو من له حاجة أو من لديه مشكلة حيث يفتح الباب للناس وهو لا يعرفهم لا من قريب ولا من بعيد فيأتون زُرافات ووُحدانا كلٌ له حاجة، وكما يقال (صاحب الحاجة أعمى عن كل شيء إلا حاجته)، فيأتون وقد فتح لهم صدره قبل مجلسه، وبعد أن يكتمل المجلس يدخل -رحمه الله- ويجلس في كرسي متواضع جداً -أول كرسي على يمين الداخل للمجلس- ثم يبدؤهم واحداً تلو الآخر ويشرح كل واحد منهم موضوعا ثم يتخذ ما يراه مناسباً إما أن يتصل بالهاتف أو يكتب له خطاباً وربما ذهب بنفسه لقضاء حاجة المحتاج. هذه الصورة الرائعة لا أقول إني سمعت بها بل رأيتها بأم عيني، ولم يأتِ بها الشيخ -رحمه الله- إلا من هدي خير البرية حيث قال صلى الله عليه وسلم: "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته"، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"، وقال عليه الصلاة والسلام: ".. وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ- شَهْرًا" وفي رواية أخرى عند الطبراني أيضًا: ".. وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَام". وقد يتساءل البعض، وماذا عن تلمسه لحاجات النساء؟! نجد الواقع يجيب على ذلك بأنه بعد أن ينتهي من ذلك المجلس ينظر هل من محتاجة لشفاعة أو لها حاجة لها فيسمع منها ويسعى جاهداً لتحقيق حاجتها. رحل الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري -رحمه الله- وقد خلّد لمن بعده سجلاً حافلاً خدم به الفقراء والمحتاجين من الناس دون تمييز ولا تقريب لأحد ولا إبعاد لأحد، وهذا لا تستطيعه أي نفس وخاصة نفس من وصل إلى مكانة كمكانته. (وما كان ربك نسيا) لن ينسى الله -جل وعلا- وهو العدل سبحانه لفقيدنا تلك الوقفات التي وقفها طوال عمره المديد مع أرملة أو مسكين أو محتاج ونحوهم. ختاماً، إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا أبا الأيتام والأرامل وذوي الحاجة لمحزنون.