يشهد النظام التعليمي في المملكة تطوراً كبيراً على صعيد الآليات كتطوير المعلمين، وتطوير أساليب التدريس ووسائله الإلكترونية، والتعليم عن بعد، والمناهج والخطط الدراسية، وما شابه.. وأيضا على مستوى المناهج بعد إقرار تدريس الفلسفة ومناهج تنمية مهارات التفكير، وللحديث وبحث تلك الخطوات التطويرية خصوصا على صعيد تطوير المناهج، فقد تحدث ل»الرياض» عدد ممن يعملون في مجال التعليم، والكتّاب الذين أجابوا على عدد من التساؤلات المطروحة في هذا التحقيق من بينها: ما الخطة المعدَّة لتدريس الفلسفة والتفكير الناقد؟، كيف تقرؤون النتائج المتوقعة؟، برأيكم من سيقوم بتدريسها.. مدرسون عاديون أم متخصصون؟ في البدء تحدث د. زيد بن جازع الشمري «دكتوراة في التربية»، يمثل قرار وزارة التعليم بتدريس التفكير الناقد، وكذلك الفلسفة أمرا مهما وبالذات أننا نشهد تحوّلات متسارعة في عدّة مجالات، وحتى يتم مسايرة تلك المتغيرات لا بد من تنمية مهارات التفكير العليا لدى طلبة التعليم العام، ومن أبرزها التفكير الناقد الذي ينعكس على توجّهات الطلبة، ومن ثم على المجتمع، لما له من دور في تنمية الإبداع والابتكار، والتأمل، والتحليل، والتقويم. لكن هذه الخطوة ينبغي أن يقابلها خطّة مقترحة تكون بمثابة خارطة توضيحية لما يراد من تدريس التفكير الناقد، من حيث مفهومه، وخطواته، وتبيان أهميته، والمهارات التي يتطلبها من حيث تحديد المشكلة، والبحث عن الحلول المقنعة المعتمدة على إثباتات، وعدم التحيز، وما شابه. السنيدي: قرار رشيد اعتمدته الوزارة هذا العام كذلك الأمر بالنسبة للفلسفة فهي من السهل الممتنع، فهي سهلة في العموم لكن سهولتها تنقلب لصعوبة عند تدريسها للآخرين، ولا شك أن ذلك يتطلب وضع خطة إجرائية يتم عن طريقها تحديد نواتج التعلّم المراد تحقيقها لدى الطلبة، فلا فالفلسفة لا تقف عند حد معين. وأضاف الشمري: حتى يتم تحقيق النتائج المأمولة فإن ذلك يتطلب الاهتمام بمن يدرّس تلك المقررات، ولذا فمن الأفضل إسناد تدريس تلك المقررات لمختصين؛ لا سيما أن هناك العديد من المعلمين من حملة المؤهلات العليا «ماجستير، دكتوراة»، ويمكن تكليفهم بتدريس تلك المقررات، وبالأخص الفلسفة، فإنها تحتاج لأن يقوم بتدريسها حملة شهادة الدكتوراة في التربية خصوصاً تخصصات: «أصول التربية، المناهج وطرق التدريس، الإدارة التربوية»، ذلك لأنهم درسوا الفلسفة في الماجستير والدكتوراة، وهم أقدر على القيام بتدريسها بشكل أفضل من غيرهم. ومما ينبغي الإشارة إليه أن عملية التطوير والتحديث، لا تؤتي النتائج المرجوّة عندما تتم بمعزل عن عملية التقويم، وهذا ما ينبغي الاهتمام به في مسألة تدريس التفكير الناقد، والفلسفة، ومن الأفضل أن تتم هذه العملية بالاستعانة بالعاملين في تدريس تلك المقررات، والأخذ بمقترحاتهم للتطوير وتجاوز الصعاب وحل المشكلات، ومن ثم العمل على إيجاد الحلول المناسبة التي تكفل استمرار توجيه التطوّر نحو الوجهة المطلوبة، ولكي لا تتحول إلى مجرّد شكليّات لا تحقق الفائدة المنتظرة من تلك العملية. وتؤكد د. عائشة ذياب المطيري «دكتوراة الفلسفة تخصص أصول التربية»، أن النظام التعليمي في المملكة العربية السعودية شهد تطوراً كبيراً في مكوناته، كتطوير المعلمين، وتطوير أساليب التدريس ووسائله الالكترونية، والتعليم عن بعد، والمناهج والخطط الدراسية، وما شابه. ولعل من ضمن المقررات الجديدة التي تتطلع وزارة التعليم لتدريسها للطلبة هو مقرر الفلسفة؛ هنا تنبثق عدة تساؤلات: ما الفلسفة؟ ما الفوائد والايجابيات من تدريسها والوعي بها؟ وما الخطة المعدة لتدريسها؟ من سيقوم بتدريسها؟ وقد يكون من السهل استعراضها عند حد فيلسوف معين ولكن قد يصعب استعراضها في عموم المصطلح عند وجهات النظر المختلفة، وقد يقف البعض عند حد المعنى اللغوي للكلمة. ومن المعلوم أن الفلسفة تناقش ثلاثة مباحث رئيسة هي: المعرفة، الوجود، القيم، وهذا ما ينبغي أن يركز عليه مقرر الفلسفة في الخطة الدراسية. ولذا لا بد من إعداد خطة مدروسة ذات موضوعات معرفية منتقاه جيداً، فالتكامل المعرفي مهم، كأن يتم تدريس الشخصيات لفلاسفة التربية، أو الاتجاهات والمدارس الفلسفية، أو القضايا الفلسفية. وأضافت المطيري: من أبرز فوائد تدريس الفلسفة؛ أنها تجعل الشخص لا يسلّم بما يقرأ أو يسمع، بل تجعله يتساءل هل هذا صحيح، ولماذا، مع النقد، وهنا يأتي دور التفكير الناقد الذي يشكّل عنصراً فعّالاً في التحليل، والتركيب. ومن هذا المنطلق، ينبغي على وزارة التعليم أن تحرص في تدريس التفكير الناقد، وأن يكون إكساب الطلبة مهارات التفكير الناقد هدفاً أساسياً يجب السعي لتحقيقه من خلال المقرر، وأن لا يتحول تدريس المقرر لجانب نظري دون الممارسة العملية، وذلك من أجل مساعدة الطلبة على معالجة القضايا و المواقف التي تواجههم وتنمية قدراتهم على الاستكشاف وحل المشكلات وغيرها. وهنا تبرز الحاجة للمعلمين المختصين لتدريس التفكير الناقد والفلسفة، ولا أرى أنسب من خريجي برامج الماجستير والدكتوراه في تخصص أصول التربية لتدريس هذا المقرر، نظراً لما يحظون به من خبرات تراكمت على مدار سنوات دراستهم في الماجستير والدكتوراه، من أبحاث، ونقد، واستنباط، وتفكير، والعديد من الخبرات الأخرى المفيدة في هذا الشأن. وأوضح الكاتب وحيد الغامدي، أن قرار تدريس مواد الفلسفة والتفكير الناقد من أعظم القرارات التي أصدرتها وزارة التعليم مؤخراً، بل إنها خطوة تأخرت كثيراً، ولكن «أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً». مؤكدا أن هذه المواد ستسهم في تعزيز الملكة النقدية وتحسين آلية التفكير عند الطلاب، وهذا ما سيصنع حصانة فكرية وذهنية مستقبلاً تمنع من الانسياق خلف الأفكار الهشة والشائعات والأخبار المغلوطة. المطيري: الفلسفة تناقش: المعرفة والوجود والقيم إلا أن لديّ مخاوف كبيرة جداً من الطريقة التي سيتم بها تدريس هذه المواد، وقد طرحت بعض التساؤلات مثل: من سوف يُدرّس هذه المواد؟ إن البيئة التعليمية حالياً لا تملك العناصر اللازمة لتحقيق مستهدفات هذه المواد. هذه البيئة نفسها التي كانت قبل سنوات قليلة تُنحّي جانباً المعلم الذي يمتلك تلك الأدوات في التفكير الناقد وتوجيه المساءلات للكثير من الأفكار التي لا يرغب كثيرون في التعليم في مساءلتها ونقدها، فكيف سيكون تدريس مادة بهذا الشكل في مثل هذه البيئة؟ مسألة أخرى أدركها جيداً عن البيئة التعليمية، وهي أن مسألة توزيع المواد الجديدة غير الخاضعة لتخصص معين، مثل مادة التفكير الناقد، فإن عملية توزيعها تخضع غالباً لأنصبة جداول الحصص للمعلمين، فيُكلف بتدريسها أي معلم ذو نصاب أقل من بقية زملائه. هذه العشوائية بحد ذاتها، وفي مادة مثل التفكير الناقد، سيجعل من نتائج تدريسها نتائج محبطة، وهذا ما أخشاه على الأمد الطويل. وتحدثت لولوة السنيدي «مشرفة بإدارة تعليم القصيم»، تدريس التفكير الناقد كمادة.. قرار رشيد اعتمدته الوزارة هذا العام، جاء متزامناً مع هذا الانفتاح على الثقافات والكم الزاخر من المعلومات بين قنوات التواصل الاجتماعي، وصعوبة فرض قيود المنع عن تناولها من قِبَل هذه الاجيال؛ لذا أصبح لزاماً على المربين إحاطتهم بمهارات تقنن تلك النشاطات العقلية التي يثيرها هذا الزخم الوافر من المعلومات والافكار التي تُبث.. وجميعنا قرأ وصف الفيلسوف «جون ديوي» لجوهر التفكير الناقد: «بأنه التأني في إصدار الأحكام إلى حين التحقق من الأمر». ونعلم بأنه نمط من أنماط التفكير الكلي، وله مهارات تحتاج منّا إلى مران وتدريب يمكننا تعلمها وتعليمها سواء للصغير أو للكبير لمعالجة ما يرد لأذهانهم.. لذلك فإن تدريس التفكير الناقد لطلاب المدارس لا بد أن يقوم على دعامتين أساسيتين وهما: أولا: أن ينهض به المعلمون الذين يتناولون المناهج ويقدمونها للطلاب.. فلو حصرنا تدريس المادة على معلم دون آخر صرنا كمن يقيّد إحدى ساقي متسابق في سباق ما، ومن ثم نطالبه بالفوز.. فإن لم يقم به الجميع فحتماً سيصبح الباقون جزءا من المشكلة، فلا جدوى من تطبيق مهارات التفكير جزء من الوقت ومادة دون أخرى. وعلى المعلمين أثناء تطبيق تعليمه أن يكونوا على قدر عال من الوعي الذاتي والتركيز على المستقبل والانفتاح على الآراء المختلفة بصدر رحب، ودقة الملاحظة لما يدور حولهم من مواقف وردود أفعال. وثانيا: دمج مهارات التفكير الناقد بوحدات المنهاج في جميع المواد خصوصاً وأن مناهج مقررات وزارة التعليم بالمملكة العربية السعودية تقوم على دمج مهارات التفكير سواء الإبداعي أو الناقد في المحتوى الدراسي ففي أسلوب الأسئلة والهوامش كثيراً ما ترد تلك المهارات: (صنف، لاحظ، رتب، قيم، تخيل، اربط، عبّر، قارن، استنتج..) كمهارات أساسية. وأضافت السنيدي: برأيي المتواضع لو نهض الجميع بهذه المادة من خلال جميع المناهج أيضاً.. فإنه بعد فترة زمنية - أقل مما نتوقع - سيصبح لدينا جيل واعٍ قادر على: 1- إجادة طرح الأسئلة، 2- عقد المقارنات بين الخيارات المتوفرة، 3- استقصاء الحقائق وتصنيفها، ومن ثم تحديد الاستنتاج الأنسب والأقرب للصحة لحل أي مشكلة تواجهه. ومن جانب يرى المعلم خالد عبدالرحمن السبيعي، أن قرار تدريس الفلسفة والتفكير الناقد هو قفزة نوعية في التعليم وخطوة مُهمة إلى الأمام في ظل ما يواجهه الجيل الحالي والأجيال القادمة من حرب إلكترونيه ضروس تفتك بالعقول وتجرفها إلى ما لا يحمد عقباه عندما تنعدم ثقافة التفكير الناقد لدى الأبناء. فالفلسفة هي مصطلح يوناني الأصل يعني حرفياً «حب الحكمة» والتفكير الصحيح وعرض المحتوى الذي يتم استقباله على العقل هو الحكمة بعينها فالله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم دائماً ما يخاطب أصحاب الألباب المعني بهم أصحاب العقول ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَاب). فعندما يتلقى الأبناء ثقافة الفلسفة والتفكير الناقد فهم بذلك يتم اعطائهم درع صلب يستخدمونه في تلك الحروب التي تستهدف عقولهم؛ فهذه الخطوة وجدت ترحيباً كبيراً لدى كل من يعي أهمية هذا الأمر ويعي التهديد الذي تواجهه عقليات أبنائنا وبناتنا. ومما لا شك فيه أن وزارة التعليم قامت بدراسة هذه الخطوة وأعدت لها العدة والخطة الدراسية المناسبة لتدريس هذه المادة، وبما أن الأهداف من تدريس المادة في الوقت الراهن واضحة جداً وجلية فمن المؤكد أن نتائجها ستكون بحول الله وقوته إيجابية ومبهرة جداً، وستفوق التوقعات وتفتح آفاقاً جديدة للطلاب بإذن الله. أما بالنسبة لمن سيقوم بتدريس هذه المادة وأي التخصصات أولى بها إذا لم يتوفر المتخصصون بهذه المادة فهذا شأن إداري ولكن كلي يقين بأن المُعلم السعودي في حد ذاته فيلسوف، ويمتلك تلك الفلسفة والقيادة الفذة والقدرة الفائقة على إيصال المعلومة، هذا ما وجدته من تميز وأمانة وقدرة في أساتذتي السعوديين السابقين وزملائي الحاليين.. فالمعلم السعودي شمعة تحترق لتضيء الطريق لمن حولها، ولم يصعب عليه تدريس هذا النوع الإثرائي من التخصصات. السبيعي: المُعلم السعودي في حد ذاته فيلسوف الغامدي: تسهم هذه المواد في تحسين آلية التفكير عند الطلاب الشمري: يجب تنمية مهارات التفكير العليا لدى طلبة التعليم العام